الجماعة إلى رواية أبي داود: أي فلا شيء عليه! قالوا: ليتحد معنى اللفظين ولا يتناقضان. وأقول: التأويل فرع التصحيح، فبعد أن بينا شذوذ رواية أبي داود بما لا ريب فيه، فلا مبرر للتأويل، وقد جاء في «نصب الراية»«٢/ ٢٧٥»: «قال الخطيب: المحفوظ: «فلا شيء له»، وروي:«فلا شيء عليه»، وروي:«فلا أجر له»، انتهى. قال ابن عبد البر: رواية: «فلا أجر له» خطأ فاحش، والصحيح:«فلا شيء له». وصالح مولى التوأمة من أهل العلم، منهم من لا يحتج به لضعفه، ومنهم من يقبل منه ما رواه ابن أبي ذئب خاصة، انتهى». قلت: والسبب في ذلك أنه كان اختلط، فمنهم من سمع منه قبل الاختلاط - كابن أبي ذئب - فهو حجة، ومنهم من سمع منه بعد الاختلاط فليس بحجة، وهذا التفصيل هو الذي استقر عليه رأى أهل العلم قديما وحديثا، فروى ابن أبي حاتم «٢/ ١ / ٤١٧» عن عبد الله بن أحمد عن أبيه أنه قال: «كان مالك قد أدرك صالحا، وقد اختلط وهو كبير، من سمع منه قديما فذاك، وقد روى عنه أكابر أهل المدينة، وهو صالح الحديث، ما أعلم به بأسا». ثم روى عن ابن معين نحوه، فقال عنه:«ثقة، وقد كان خرف قبل أن يموت، فمن سمع منه قبل أن يختلط، فهو ثبت، وهو صالح بن نبهان».
إذا عرفت هذا التفصيل، وأن الحديث من رواية ابن أبي ذئب عنه، تبينت أنه ثابت، فلا تعويل على من ذهب إلى تضعيفه متمسكا بالطعن المجمل فيه كما فعل البيهقي، ونحوه عن الإمام أحمد، فقال ابنه عبد الله في «مسائله»«ص ١٢٥»: «سألت أبي عن حديث أبي هريرة هذا؟ فقال: حديث عائشة: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على سهيل ابن بيضاء في المسجد». ثم قال: حتى يثبت حديث صالح مولى التوأمة. كأنه عنده ليس بثبت، أو ليس بصحيح. قلت: ولعل الإمام أحمد رحمه الله توقف عن تصحيح هذا الحديث لأنه لم يكن يومئذ تبين له التفصيل الذي نقلته عنه آنفا، أو أنه ظن أنه معارض لحديث عائشة المذكور، وهو دونه في الصحة بلا ريب. والذي أراه أنه لا ينبغي عند نقد الحديث أن يلاحظ الناقد أمورا فقهية يتوهم أنها تعارض الحديث، فيتخذ ذلك حجة للطعن في الحديث، فإن هذا - مع كونه ليس من قواعد علم الحديث - لو اعتمد عليه في النقد للزم منه رد كثير من الأحاديث الصحيحة التي وردت بالطرق