القوية. وعلى هذا فكون حديث صالح مخالفا لحديث عائشة، فلا ينبغي الطعن فيه بسبب ذلك، بل ينبغي التوفيق بينهما بعد ثبوت كل منهما من الوجهة الحديثية، كما قرره الحافظ في «شرح النخبة» وغيره في غيره، ولذلك قال الإمام ابن قيم الجوزية في «زاد المعاد»«١/ ١٩٨ - ١٩٩» بعد أن ذكر بعض ما قيل في صالح هذا: «وهذا الحديث حسن، فإنه من رواية ابن أبي ذئب عنه وسماعه منه قديم قبل اختلاطه، فلا يكون اختلاطه موجبا لرد ما حدث به قبل الاختلاط».
هذا، وأحسن ما يمكن أن يقال في سبيل التوفيق المشار إليه آنفا هو أن حديث عائشة غاية ما يدلي عليه إنما هو جواز صلاة الجنازة في المسجد، وحديث صالح لا ينافي ذلك، لأنه لا ينفي أجر الصلاة على الجنازة مطلقا، وإنما ينفي أجرا خاصا بصلاتها في المسجد، قال أبو الحسن السندي رحمه الله تعالى:«فالحديث لبيان أن صلاة الجنازة في المسجد ليس لها أجر لأجل كونها في المسجد كما في المكتوبات، فأجر أصل الصلاة باق، وإنما الحديث لإفادة سلب الأجر بواسطة ما يتوهم من أنها في المسجد، فيكون الحديث مفيدا لإباحة الصلاة في المسجد من غير أن يكون لها بذلك فضيلة زائدة على كونها خارجة. وينبغي أن يتعين هذا الاحتمال دفعا للتعارض وتوفيقا بين الأدلة بحسب الإمكان. وعلى هذا، فالقول بكراهة الصلاة في المسجد مشكل، نعم ينبغي أن يكون الأفضل خارج المسجد بناء على أن الغالب أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي خارج المسجد، وفعله في المسجد كان مرة أو مرتين. والله أعلم». قلت: وبهذا الجمع، التقى حديث الترجمة مع حديث عائشة من حيث دلالة كل منهما على إباحة الصلاة في المسجد، وأما كون الأفضل الصلاة خارج المسجد، فهذا أمر لا يشك فيه من تجرد عن الهوى والتعصب المذهبي، لثبوت كون ذلك هو الغالب على هديه - صلى الله عليه وسلم - كما بينته في «أحكام الجنائز»«ص ١٠٦ - ١٠٧»، فلا التفات بعد هذا البيان إلى قول ابن حبان في «الضعفاء»«١/ ٣٦٦»: وهذا خبر باطل، كيف يخبر المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أن المصلي في الجنازة لا شيء له من الأجر، ثم يصلي هو - صلى الله عليه وسلم - على سهيل ابن البيضاء في المسجد؟ ! !
تنبيه: ذكر الزيلعي أن ابن أبي شيبة روى الحديث في «مصنفه» بلفظ: «فلا