والأقرب أن الحديث يميل إلى قول أحمد وغيره أن الدفن مكروه في هذه الاوقات.
قلت: وقد رد ذلك التأويل الامام النووي أيضا، ولكنه في سبيل بيان ذلك وقع في تأويل آخر يشبه هذا، وادعي دعوى غير ثابتة فقال في «شرح مسلم»: «قال بعضهم إن المراد بالقبر صلاة الجنازة، وهذا ضعيف، لان صلاة الجنازة لا تكره في هذا الوقت بالإجماع، فلا يجوز تفسير الحديث بما يخالف الإجماع، بل الصواب أن معناه تعمد تأخير الدفن إلى هذه الاوقات، كما يكره تعمد تأخير العصر إلى اصفرار الشمس بلا عذر ... فأما إذا وقع الدفن في هذه الاوقات بلا تعمد فلا يكره».
قلت: وهذا تأويل لا دليل عليه، والحديث مطلق يشمل المتعمد وغيره، فالحق عدم جواز الدفن ولو لغير المتعمد، فمن أدركته فيها فليتريث حتى يخرج وقت الكراهة.
وأما ادعاؤه أن صلاة الجنازة لا تكره في مثل هذا الاوقات بالإجماع فوهم منه رحمه الله، فالمسألة خلافية والصواب فيها الكراهة خلاف الإجماع المزعوم.
ب - في الليل لحديث جابر رضي الله عنه:«أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر رجلا من أصحابه قُبض فكُفن في كفن غير طائل وقبر ليلا، فزجر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك» أخرجه مسلم وغيره وقد سبق في المسألة «٣٥ ص ٥٦» والحديث ظاهر الدلالة على ما ذكرنا، وهو مذهب أحمد رحمه الله في رواية عنه ذكرها في «الإنصاف»«٢/ ٥٤٧» قال: «لا يفعله إلا لضرورة، وفي أخرى عنه: يكره».
قلت: والأول أقرب لظاهر قوله «زجر» فإنه أبلغ في النهي من لفظ «نهى» الذي يمكن حمله على الكراهة، على أن الاصل فيه التحريم، ولا صارف له إلى الكراهة.
لكن يُشكل على ما ذكرنا قوله في الحديث «حتى يصلى عليه».