للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنه يدل بظاهره أيضا على جواز الدفن ليلا بعد الصلاة لأنها هي الغاية من النهي، فإذا حصلت ارتفع النهي، لكن يرد عليه قوله «إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك» فإن إسم الاشارة فيه يعود إلى المنهي عنه وهو الدفن ليلا قبل الصلاة إلا عند الضرورة فيجوز.

وهذا بعيد جدًا، لأن من السهل أن نتصور اضطرار المشيعين للدفن ليلا لأسباب كثيرة كما سيأتي عن ابن حزم ولكننا لا نتصور في وجه من الوجوه أن يضطروا لدفنه دون أن يصلو عليه، ومما يزيده بعدا أن هذا المعنى يجعل قيد «الليل» عديم الفائدة، إذ الدفن قبل الصلاة، كما لا يجوز ليلا، فكذلك لا يجوز نهارا، فإن جاز ليلا لضرورة جاز نهارا من أجلها ولا فرق، فما فائدة التقييد ب «الليل» حينئذ.

لا شك أن الفائدة لا تظهر بصورة قوية إلا إذا رجحنا ما استظهرناه أو لا من عدم جواز الدفن ليلا، وبيان ذلك: أن الدفن في الليل مظنة قلة المصلين على الميت، فنهي عن الدفن ليلا حتى يصلي عليه نهارا، لأن الناس في النهار أنشط في الصلاة عليه، وبذلك تحصل الكثرة من المصلين عليه، هذه الكثرة التي هي من مقاصد الشريعة وأرجى لقبول شفاعتهم في الميت كما سبق بيانه في «المسألة «٦٣»، «ص ٩٦» قال النووي: في «شرح مسلم»:

«وأما النهي عن القبر ليلا حتى يصلى عليه، فقيل سببه أن الدفن نهارا يحضره كثير من الناس ويصلون عليه ولا يحضره في الليل إلا أفراد، وقيل لأنهم كانوا يفعلون ذلك لرداءة الكفن، فلا يتبين في الليل، ويؤيده أول الحديث وآخره، قال القاضي: العلتان صحيحتان، قال: والظاهر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قصدهما معا، قال: وقد قيل غير هذا».

قلت: فإذا عرف أن العلة قلة المصلين وخشية رداءة الكفن، ينتج من ذلك أنه لو صلي عليه نهارا، ثم تأخر دفنه لعذر إلى الليل أنه لا مانع من دفنه فيه لانتفاء العلة وتحقق الغاية وهي كثرة المصلين، وعليه فهل يجوز التأخر بدفن الميت في النهار تحصيلا للغاية المذكورة، استحسن ذلك الصنعاني في «سبل السلام» «٢/ ١٦٦»،

<<  <  ج: ص:  >  >>