ولست أرى ذلك لأن العلة المذكورة مقيَّدة فلا يجوز تعديتها إلى النهار لوجود الفارق الكبير بين الظرفين، فإن القلة في الليل أمر طبيعي، بخلاف النهار فالكثرة فيه هي الطبيعي، ثم إن هذه الكثرة لا حد لها فكلما تؤخر بالميت زادت الكثرة، ولذلك نرى بعض المترفين الذين يحبون الظهور رياء وسمعة، ولو على حساب الميت قد يؤخرونه اليوم واليومين ليحضر الجنازة أكبر عدد ممكن من المشيعين.
فلو قيل بجواز ذلك لأدي إلى مناهضة الشارع في أمره بالاسراع بالجنازة على ما سبق بيانه في المسألة «١٧»«ص ١٣» بعلة الكثرة التي لا ضابط لها.
بعد هذا يتبين لنا الجواب عن الاشكال الذي أو ردته في قوله «حتى يصلى عليه» إذ أنه ظهر أن المراد حتى يصلى عليها نهارا لكثرة الجماعة، كي تبين أن إسم الاشارة في قوله «إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك» يعود إلى الدفن ليلا ولو مع قلة المصلين، لا إلى الدفن مع ترك الصلاة عليه إطلاقا، فليتأمل فإنه حقيق بالتأمل.
ثم قال النووي في «شرح مسلم»: «وقد اختلف العلماء في الدفن في الليل، فكرهه الحسن البصري إلا لضرورة، وهذا الحديث مما يستدل له به، وقال جماهير العلماء من السلف والخلف: لا يكره واستدلوا بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وجماعة من السلف دفنوا ليلا من غير إنكار، وبحديث المرأة السوداء: والرجل الذي كان يقم المسجد فتوفي بالليل فدفنوه ليلا، وسألهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه فقالوا: توفي ليلا فدفناه في الليل، فقال: ألا اذنتموني، قالوا: كانت ظلمة ولم ينكر عليهم، وأجابوا عن هذا الحديث أن النهي كان لترك الصلاة، ولم ينه عن مجرد الدفن بالليل، وإنما لترك الصلاة أو لقلة المصلين أو عن إساءة الكفن أو عن المجموع كما سبق».
قلت: والجواب الأول وهو أن النهي كان لترك الصلاة، لا يصح، لأنه لو كان كذلك لم يكن ثمة فرق بين الدفن ليلا أو نهارا كما سبق بيانه، بل الصواب أن النهي إنما كان للأمرين اللذين سبقا في كلام القاضي، ولذلك اختار ابن حزم أنه لا يجوز أن يدفن أحد ليلا إلا عن ضرورة.
واستدل على ذلك بهذا الحديث، ثم أجاب عن الاحاديث الواردة في الدفن