وفي هذا الحديث أو في غيره قال عليه الصلاة والسلام:«أرأيت إن كان على أبيك دين، أفكنتي تقضينه عنه»؟ قالت: بلى، قال عليه السلام:«فدين الله أحق أن يقضى» ولم نر حديثًا صحيحًا صريحًا يدل على جواز حج الغير عن غيره ممن لا علاقة نسبية بينهما، كل ما في الأمر في هذا الباب إنما هو حديث شبرمة الذي جاء في السنن، وفي مسند الإمام أحمد، وفي غيرها من كتب السنة:«أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلًا يقول في تلبيته: لبيك اللهم عن شبرمة»، فقال له عليه الصلاة والسلام:«من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي، قال: هل حججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة».
فهذا الحديث قد يحتج به من يذهب إلى شرعية الحج عن الغير لأن شبرمة لم يكن في الحديث ما ينص على أنه كان أبًا له، وإنما قال: هو أخ لي أو قريب لي، فإذا كان أخًا فاستقام الاستدلال بهذا الحديث حينذاك على أنه يجوز أن يحج أيضًا عن غير والديه، وإن كانت الرواية ليست عن أخ له إنما عن قريب ... أقرب وأصح في الاحتجاج؛ لأن الأخ أقرب قريب، أما قريب بعد الأخ فيكون أبعد عنه.
لكن يرد على هذا الاستدلال الذي ظاهره الصحة أمران اثنان:
الأمر الأول وهو مهم جدًا في نظري: أن هذا الحديث الذي جاء بهذا اللفظ: أخ لي أو قريب لي، هذا ليس هو نص الحديث الذي كان جوابًا من الملبي للرسول عليه السلام حين سأله: من شبرمة؟ فلا يستقيم في الجواب خاصة من مسئول من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول مترددًا بين قوله: أخ لي أو قريب لي؛ لأن هذا التردد إنما يصح بالنسبة للحافظ الذي قد يهم، أم من كان موكلًا أو نائبًا للحج عن الغير وهو يدري يقينًا إن كان هذا الغير هو أخ له أو أبًا له أو أو إلى آخره.
فإذا تذكرنا هذه الحقيقة عرفنا حينئذٍ أن قول الراوي: أخ لي أو قريب لي، لم يصدر من الملبي وإنما هذا من أحد الرواة، فالراوي هو الذي شك ولم يحفظ المتن، فقال عن لسان المجيب وهو الملبي: أخ لي أو قريب لي، وإلا فيكاد يكون مستحيلًا أن يسأل الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحد أصحابه: هذا الذي تلبي عنه من هو؟ فيجيبه على