للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهزة (١) أوجعتي، ثم قال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله! ؟ قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله، [قال]: نعم قال فان جبريل أتاني حين رأيت فناداني - فأخفاه منك، فأجبته، فأخفيته منك، ولم يكن ليدخل عليك، وقد وضعت ثيابك وظننت أن قد رقدت، فكرهت أن أوقظك، وخشيت أن تستوحشي - فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم، قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون».

والحديث استدل به الحافظ في «التلخيص» «٥/ ٢٤٨» على جواز الزيارة للنساء وهو ظاهر الدلالة عليه، وهو يؤيد أن الرخصة تشملهن مع الرجال، لأن هذه القصة إنما كانت في المدينة، لما هو معلوم أنه - صلى الله عليه وسلم - بنى بعائشة في المدينة، والنهي إنما كان في أول الأمر في مكة، ونحن نجزم بهذا وإن كنا لا نعرف تاريخا يؤيد ذلك، لان الاستنتاج الصحيح يشهد له، وذلك من قوله صل الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم» إذ لا يعقل في مثل هذا النهي أن يشرع في العهد المدني، دون العهد المكي الذي كان أكثر ما شرع فيه من الأحكام إنما هو فيما يتعلق بالتوحيد والعقيدة، والنهي عن الزيارة من هذا القبيل لأنه من باب سد الذرائع، وتشريعه إنما يناسب العهد المكي لان الناس كانوا فيه، حديتي عهد بالاسلام، وعهدهم بالشرك قريبا، فنهاهم - صلى الله عليه وسلم - عن الزيارة لكي لا تكون ذريعة إلى الشرك، حتى إذا استقر التوحيد في قلوبهم، وعرفوا ما ينافيه من أنواع الشرك أذن لهم الزيارة، وأما أن يدعهم طيلة العهد المكي على عادتهم في الزيارة، ثم ينهاهم عنها في المدينة فهو بعيد جدا عن حكمة التشريع، ولهذا جزمنا بأن النهي إنما كان تشريعه في مكة، فإذا كان كذلك فأذنه لعائشة بالزيارة في المدينة دليل واضح على ما ذكرنا، فتأمله فإنه شئ انقدح في النفس، ولم أر من شرحه على هذا الوجه، فان أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.


(١) اللهز: الضرب بجمع الكف في الصدر. [منه].

<<  <  ج: ص:  >  >>