وأما استدلال صاحب رسالة «وصية شرعية» على ذلك بقوله «ص ٢٦»: «وقد أقر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ابنته فاطمة رضي الله عنها على زيارة قبر عمها حمزة رضي الله عنه».
فهو استدلال باطل، لأن الاقرار المذكور لا أصل له في شئ من كتب السنة، وما أظنة إلا وهما من المولف، فإن المروي عنها رضي الله عنها إنما هو زيارة فقط ليس فيه ذكر للإقرار المزعوم أصلا، ومع ذلك فلا يثبت ذلك عنها، فإنه من رواية سليمان بن داود عن جعفر بن محمد عن أبيه على بن الحسين عن أبيه أن فاطمة بنت النبي صلي الله عليه وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده.
وقال العيني في «العمدة»«٣/ ٧٦»: «وفيه جواز زيارة القبور مطلقا، سواء كان الزائر رجلا أو امرأة: وسواء كان المزور مسلما أو كافرا، لعدم الفصل في ذلك».
وذكر نحوه الحافظ أيضا في آخر كلامه على الحديث فقال عقب قوله «لعدم الاستفصال في ذلك»: «قال النووي: وبالجواز قطع الجمهور، وقال صاحب الحاوي: لا تجوز زيارة قبر الكافر وهو غلط. انتهى».
وما دل عليه الحديث من جواز زيارة المرأة هو المتبادر من الحديث، ولكن إنما يتم ذلك إذا كانت القصة لم تقع قبل النهي، وهذا هو الظاهر، إذا تذكرنا ما أسلفناه من بيان أن النهي كان في مكة، وأن القصة رواها أنس وهو مدني جاءت به أمه أم سليم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قدم المدينة، وأنس ابن عشر سنين، فتكون القصة مدنية، فثبت أنها بعد النهي، فتم الاستدلال بها على الجواز، وأما قول ابن القيم في «تهذيب السنن»«٤/ ٣٥٠»:
«وتقوى الله، فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، ومن جملتها النهي عن الزيارة».
فصحيح لو كان عند المرأة علم بنهي النساء عن الزيارة وأنه استمر ولم ينسخ، فحينئذ يثبت قوله:«ومن جملتها النهي عن الزيارة» أما وهذا غير معروف لدينا فهو