مع أنه قد شرح لنا إذا دخلنا المسجد أن نقول «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته»(١) كما نقول ذلك في آخر صلاتنا.
قال: فخاف مالك وغيره أن يكون فعل ذلك عند القبر كل ساعة نوعا من اتخاذ القبر عيدا.
وأيضا فإن ذلك بدعة، فقد كان المهاجرون والأنصار على عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم يجيئون إلى المسجد كل يوم لعلمهم رضي الله عنهم بما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكرهه من ذلك وما نهاهم عنه، وانهم يسلمون عليه حين دخول المسجد والخروج منه، وفي التشهد كما كانوا يسلمون عليه كذلك في حياته، وما أحسن ما قال مالك: لن يصلح آخر هذه الامة إلا ما أصلح أولها، ولكن كلما ضعف تمسك الامم بعهود أنبيائهم، ونقص إيمانهم، عوضوا ذلك بما أحدثوه من البدع والشرك وغيره لهذا كرهت الامة استلام القبر وتقبيله.
وبنوه بناء منعوا الناس أن يصلوا إليه، قال: وقد ذكرنا عن أحمد وغيره أنه أمر من سلم على النبي وصاحبيه ثم أراد أن يدعو أن ينصرف فيستقبل القبلة، وكذلك أنكر ذلك من العلماء المتقدمين كما لك وغيره، ومن المتأخرين مثل أبي الوفاء بن عقيل وأبي الفرج ابن الجوزي، وما أحفظ لاعن صحابي ولا عن تابعي ولا عن إمام معروف أنه استحب قصد شئ من القبور للدعاء عنده، ولا روى أحد في ذلك شيئا، لا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أصحابه ولا عن أحد من الائمة المعروفين، وقد صنف الناس في الدعاء وأوقاته وأمكنته وذكروا فيه الاثار، فما ذكر أحد منهم في فضل الدعاء عند شئ من القبور حرفا واحدا فيما أعلم، فكيف يجوز والحالة هذه أن
(١) قلت: لم أر هذه الصيغة في شئ من الأحاديث الواردة في آداب الدخول إلى المسجد والخروج منه، وأخذها من مطلق قوله: «إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث أخرجه أبو عوانة في صحيحه «١/ ٤١٤» وأبو داود في سننه «رقم ٤٦٥»، فمما لا يخفى بعده، لا سيما وقد جاءت الصيغة في حديث فاطمة رضي الله عنها بلفظ «السلام على رسول الله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد». أخرجه القاضي اسماعيل «٨٢ - ٨٤» وغيره. وانظر «نزل الابرار» «٧٢». و «الكلم الطيب «رقم ٦٣ بتحقيقي وضع المكتب الاسلامي». [منه].