أبي بصرة الغفاري على أبي هريرة خروجه إلى الطور، وقال له:«لو أدركتك قبل أن تخرج ما خرجت»، واستدل بهذا الحديث، فدل على أنه يرى حمل الحديث على عمومه، ووافقه أبو هريرة. والصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية أنه لا يحرم، وأجابوا عن الحديث بأجوبة:
١ - منها أن المراد أن الفضيلة التامة إنما هي شد الرحال إلى هذه المساجد بخلاف غيرها فإنه جائز، وقد وقع في رواية لاحمد سيأتي ذكرها بلفظ:«لا ينبغي للمطي أن تعمل» وهو لفظ ظاهر في غير التحريم.
٢ - ومنها أن النهي مخصوص بمن نذر على نفسه الصلاة في مسجد من سائر المساجد غير الثلاثة، فإنه لا يجب الوفاء به.
قاله ابن بطال.
٣ - ومنها أن المراد حكم المساجد فقط، وأنه لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد للصلاة فيه غير هذه الثلاثة، وأما قصد غير المساجد لزيارة صالح أو قريب أو صاحب، أو طلب عالم أو تجارة أو نزهة، فلا يدخل في النهي، ويؤيده ما روى أحمد من طريق شهر بن حوشب قال: سمعت أبا سعيد - وذكرت عنده الصلاة في الطور - فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا ينبغي للمطي أن تشد رحاله إلى مسجد تبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام، والمسجد الاقصى، ومسجدي».
وشهر حسن الحديث، وإن كان فيه بعض الضعف».
قلت: لقد تساهل الحافظ رحمه الله تعالى في قوله في شهر أنه حسن الحديث.
مع أنه قال فيه في «التقريب»: «كثير الاوهام» كما سبق، ومن المعلوم أن من كان كذلك فحديثه ضعيف لا يحتج به، كما قرره الحافظ نفسه في «شرح النخبة» ثم هب أنه حسن الحديث، فإنما يكون كذلك عند عدم المخالفة، أما وهو قدخالف جميع الرواة الذين رووا الحديث عن أبي سعيد، والاخرين الذين رووه عن غيره من الصحابة كما تقدم بيانه، فكيف يكون حسن الحديث مع هذه المخالفة! ؟ بل هو