والأحاديث الواردة في الحث على الزيارة النبوية وفضيلتها ليس فيها الأمر بشد الرحل إليها، مع أنها كلها ضعاف أو موضوعات، لا يصلح شئ منها للاستدلال، ولم يتفطن أكثر الناس للفرق بين مسألة الزيارة وبين مسألة السفر إليها، فصرفوا حديث الباب عن منطوقه الواضح بلا دليل يدعو إليه».
قلت: وللغفلة المشار إليها اتهم الشيخ السبكي عفا الله عنا وعنه شيخ الاسلام ابن تيمية بأنه ينكر زيارة القبر النبوي ولو بدون شد رحل، مع أنه كان من القائلين بها، والذاكرين لفضلها وآدابها، وقد أورد ذلك في غير ما كتاب من كتبه الطيبة وقد تولى بيان هذه الحقيقة، ورد تهمة السبكي العلامة الحافظ محمد بن عبد الهادي في مؤلف كبير أسماه «الصارم المنكى في الرد على السبكي»: نقل فيه عن ابن تيمية النصوص الكثيرة في جواز الزيارة بدون السفر إليها.
وأورد فيه الاحاديث الواردة في فضلها، وتكلم عليها مفصلا، وبين ما فيها من ضعف ووضع، وفيه فوائد أخرى كثيرة، فقهية وحديثية وتاريخية، حري بكل طالب علم أن يسعى إلى الاطلاع عليها.
ثم إن النظر السليم يحكم بصحة قول من ذهب إلى أن الحديث على عمومه، لأنه إذا كان بمنطوقه يمنع من السفر إلى مسجد غير المساجد الثلاثة، مع العلم بأن العبادة في أي مسجد أفضل منها في غير المسجد، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «أحب البقاع إلى الله المساجد» حتى ولو كان ذلك المسجد هو المسجد الذي أسس على التقوى ألا وهو مسجد قباء الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة في مسجد قباء كعمرة»، إذا كان الأمر كذلك فلان يمنع الحديث من السفر إلى غيرها من المواطن أولى وأحرى، لا سيما إذا كان المقصود إنما هو مسجد بني على قبر نبي أو صالح، من أجل الصلاة فيه والتعبد عنده.
وقد علمت لعن من فعل ذلك، فهل يعقل أن يسمح الشارع الحكيم بالسفر إلى مثل ذلك ويمنع من السفر إلى مسجد قباء؟ !
والخلاصة: إن ما ذهب إليه أبو محمد الجويني الشافعي وغيره من تحريم السفر