ثم بعد ذلك بدأت الأحكام الشرعية تنزل، فحينما أمر عليه السلام بعبادة الله وحده لا شريك له وأمر الناس أن يعبدوه كذلك وحده لا شريك له، يومئذٍ لم يكن شيء اسمه لباس الحرير حرام، شرب الخمر حرام، المشي بين القبور بالنعال حرام،
وإنما كان الناس يمشون على ما كانوا عليه من الضلال، وعلى ذلك فليس من المستبعد إطلاقاً أن يكون المسلمون في العهد الأول من الإسلام يمشون على الإباحة الأصلية، فيدخلون القبور وفيها وعلى أقدامهم النعال، فحينما يأتي حكم جديد يتضمن خلع النعلين بالنسبة للماشي بين القبور، نعرف بداهةً حينذاك بأن هذا النص أتى بحكم جديد ألغى ما كانوا عليه من قبل من عادة السير بين القبور.
من أجل هذا كله، يقول علماء الأصول: إنه إذا تعارض نصَّان أحدهما يُحَرِّم شيئاً والآخر يُبِيحه، حُمِل النص المبيح على الأصل، على البراءة الأصلية، وحُمِل النص المُحَرَّم على التشريع الجديد. بهذا نستطيع أن نفهم حينذاك أن الحكم الذي ينبغي أن نمشي عليه هو أن لا نمشي في النعال بين القبور.
وهذا يتأيد كما ذكرت آنفاً بقوله عليه السلام:«لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها».
فنهيه عليه السلام عن الجلوس على القبور هو من باب احترامها، كما قال عليه السلام في الحديث الآخر:«كسر عظم الميت ككسره حياً» هذا كله من باب احترام الأموات، لكن هذا الاحترام لا ينبغي أن يرتفع إلى مرتبة التقديس والغلو في التعظيم، هذا والأمر وسط نحترم الأموات ولا نقدسهم، من احترام الأموات أن نمشي حفاة بين القبور، إلا إذا كان هناك عذر فهذا بحث آخر.