وذكره الحافظ المزي في «تحفته»«٨/ ٢٣٢/١٠٩٦٢» من رواية النسائي فقط، وقال عقبها:«وتابعه معمر عن أيوب عن ابن سيرين». وهذا ظاهر في أنه يعني أن أيوب قد تابع عاصمًا في روايته عن ابن سيرين مسندًا عن أبي الدرداء، فاحفظ هذا لما يأتي. ثم أشار الحافظ إلى رواية هشام المسندة عن ابن سيرين عن أبي هريرة، ثم قال:«وروي عن هشام عن ابن سيرين عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -». وقال:«وروي عن أيوب وابن عون ويونس بن عبيد عن محمد بن سيرين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي الدرداء». قلت: يعني: أنهم أرسلوه لم يذكروا أبا هريرة، ورواية أيوب هذا إنما يرويها عنه معمر، وعنه عبد الرزاق في «المصنف»«٤/ ٢٧٩/٧٨٠٣»، وعنه الطبراني في «المعجم الكبير»«٦/ ٢٦٧ - ٢٦٨»، وهي من رواية إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق، وفيها كلام معروف؛ لأن الدبري سمع من عبد الرزاق وهو ابن سبع سنين، وهي على خلاف رواية معمر الأولى عن أيوب المتابعة لرواية عاصم عن ابن سيرين المسندة كما تقدم عن المزي؛ فتذكر. وأما رواية ابن عون فهي المتقدمة هناك تحت الحديث من رواية ابن سعد بسند صحيح عن ابن سيرين مرسلًا، وفيه سبب الحديث. وأما رواية يونس بن عبيد فلم أقف على من وصلها، وكذا رواية معمر الأولى.
وعلى هذا التحقيق فإني أقول: إذا أسقطنا هاتين الروايتين من عين الاعتبار -لجهلنا بحال الإسناد إليهما- فإنه يبقى لدينا روايتان معروفتان لكل من المسند والمرسل، وإذا تذكرنا أن روايتي المسند صحيحتان، وروايتي المرسل إحداهما فقط صحيحة، والأخرى ضعيفة -وهي رواية أيوب المعلولة بالدبري- يترجح بوضوح لا خفاء فيه أن الحديث مسند عن أبي هريرة وأبي الدرداء، بل أستطيع أن أقول بأرجحية المسند حتى لو فرضنا صحة رواية أيوب المرسلة أيضًا؛ لأن المسند معه زيادة من ثقتين، وهي مقبولة في مثل هذه الحالة اتفاقًا. فلننظر الآن ماذا فعل هذا الجاني على السنة -المضعف للأحاديث الصحيحة- من قلب للحقائق وكتم للعلم؛ ليظهر نفسه أنه محقق غير مقلد في هذا العلم الجليل: أولًا: كتم رواية معمر الأولى عن أيوب التي ذكرها المزي! ثانيًا: كتم ضعف