من السهل جداً أن نقول: هذا الفعل إذا لم يكن عندنا دليل يُبَيِّن أنه جاء بعد القول، فإذاً: يحمل على الأصل، وهي البراءة الأصلية.
لأن الشريعة ما جاءت بالأحكام طَفْرَةً واحدةً، وقصة الخمر والتَدَرُّج في تحريمها أوضح مثال من الأمثلة التي تدلنا على أن الخمر كانت مباحة على الأصل.
وقد لا نقول حلالاً إنما على البراءة الأصلية, فإذا جاءنا خبر بأن زيداً من الناس شرب الخمر، لكن شربه للخمر يمكن أن يكون في ذلك الزمان, فإذا جاء الحديث عن الرسول عليه السلام في فعل ما، كما نحن الآن في صدده، فإن صيام يوم السبت يمكن أن يكون قبل هذا التشريع الجديد بقوله:«لا تصوموا يوم السبت».
فإذاً: ممكن أن يكون هذا الفعل كان في زمن الإباحة.
ثانياً: يمكن أن يكون لعذر, فعل صدر منه عليه السلام لعذر، فحينئذٍ نقول مادام أنه يحتمل أن يكون لعذر، فنقدم القول على الفعل؛ كما جاء في القاعدة.
ثالثاً وأخيراً نقول: يمكن أن يكون هذه خصوصية للرسول عليه السلام؛ مادام تعارض فعله مع قوله فالقول مقدم على الفعل.
الذي أردت بهذا: أن أقول فيه عدة احتمالات وهي ثلاث: إما كان فعله على الأصل, وإما إنه كان لعذر, وإما أنه كان لخصوصية له عليه الصلاة والسلام، لا يشاركه عليها أحد من الأنام.
من فائدة هذه القاعدة هو تطبيق على بعض النصوص المتخالفة ظاهراً، أنه ثبت في السنة الصحيحة:«أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرب قائماً».
وثبت أيضاً في السنة الصحيحة: أنه نهى عن الشرب قائماً.
ماذا يفعل الآن الفقيه الذي يريد الحق ولا يتأثر بالأجواء والعادات التي يعيش فيها أو بينها؟