للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآن فَلْنُجَرِّب تجربة ثانية، نقدم القول على الفعل، وسنسمع طبعاً اعتراضات كثيرة؛ لكن هذه الاعتراض قائمة على خلاف القاعدة: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الشرب قائماً».

يقول بعض القدامى والمحدثين أن هذا النهي للتنزيه, لماذا نقول أو نتأول النهي بهذا المعنى، وهو كراهة تنزيهية؟ لأنه ثبت يقيناً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرب قائماً.

أنا أقول: كان من الممكن أن يقال بأن هذا النهي للكراهة التنزيهية، لو كان عندنا ثابت تاريخياً أن فعله كان بعد النهي، فيكون فعله بيان لقوله، ونحن نعرف أنه من قواعد الشريعة أيضاً أن فعله - صلى الله عليه وسلم - هو بيان للشرع سواءً كان قولاً أو غير قول، وهذا منصوص في القرآن كما تعلمون: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤].

فبيانه عليه السلام يكون تارةً بقوله، تارةً بفعله، تارة بإقراره, فلو أنه كان عندنا تاريخ صحيح أنه شرب بعد النهي، وقال قائل ما بأنه هذا النهي للتنزيه لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - شرب بعد النهي, يمكن لكني أقول لا أيضاً وستسمعون السبب.

سنطبق القاعدة كما طبقناها في بعض الأمثلة السابقة, يمكن أن يكون شرب الرسول عليه السلام على الإباحة ما دام ما عندنا تاريخ مذكور آنفا، فيمكن أن نقول كان شربه على الإباحة وقبل النهي.

يأتي الجواب الثاني أو الاحتمال الثاني: وهو أن يكون شرب قائماً لعذر، ومن كان معذوراً لا يلحق به من ليس معذوراً، وهذا أمر بدهي جداً.

أخيراً نقول: يمكن أن يكون ذلك من خصوصياته عليه السلام.

بمثل هذا أيضاً يُجَاب عن حديث البخاري ومسلم الذي هو في الصحيحين من حديث أنس: «لما غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر، وكان على فرس له انحسر الإزار عن فخذه عليه السلام» وهنا لفظان، لا شك أن أحدهما وهذا يعود بنا إلى درسنا في الصباح الذين يقولون إن ما في الصحيحين مقطوع بصحته، هاتوا الآن جواب عن

<<  <  ج: ص:  >  >>