وإذا كان الأمر كذلك، فالاستدراك عليه بمثل هذا الاستثناء الثاني «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما أفترض عليكم»«وإلا مقرونا بغيره» تُرى هل من شك في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كان يريد هذا الاستثناء الثاني -إلا مقرونا بغيره- أليس يكون أفصح من أن يقتصر عليه السلام على قوله «إلا فيما افْتُرِض عليكم»؟ !
الذين ذهبوا إلى هذا التقدير الثاني، الذي استهجن نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو في المعنى وليس في اللفظ؛ إنما احتجوا بحديث جويرية لما دخل عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي صائمة يوم الجمعة قال لها «أَصُمتي أمس»؟ قالت: لا، «تريدين أن تصومي غدا»؟ قالت: لا، قال لها:«فأفطري»، وكذلك حديث مسلم «لا تختصّوا ليلة الجمعة بقيام ولا نهارها بصيام، ولكن صوموا يوما قبله أو يوما بعده».
والجواب على هذا أظن أيضا سبق فيما تقدّم من الكلام؛ إنّ هذا الحديث يبيح صيام السبت؛ إذا ما صام الإنسان يوم الجمعة، فهنا يعترضنا صورتان تتعلقان في صيام السبت:
إما أن يكون قد صام يوم الجمعة، فحينئذٍ تنفيذا لهذا الأمر لا بد أن يصوم يوم السبت.
والصورة الأخرى: أن يصوم يوم السبت ومعه الأحد وليس معه الجمعة، هذه الصورة الثانية لا دليل عليها إطلاقا؛ صيام يوم السبت وصيام يوم الأحد، أما صيام يوم السبت من أجل الخلاص أو التَخَلُّص من صيام يوم الجمعة المنهي صومه مفردا، فهذا فيه هذا الحديث، فلو كان لنا أن نقف عند هذا الحديث ولا نُطبّق القاعدة السابقة، -ولا بد منها- وهي أن هذا يبيح لمن يريد أن يصوم يوم الجمعة أن يصوم يوم السبت.
لكنّ الحديث الذي نحن بصدد شرحه، والكلام عليه، قلنا: إنه حاظر، والحاظر مقدّم على المبيح، فلو أردنا أن نُعمل حديث جويرية وما في معناه إعمالا خاصا، حينئذٍ: لا ينبغي أن نضرب حديث النهي عن صوم يوم السبت مطلقا، وإنما