الصحيح, ورخص فيه للمريض والمسافر, وثبت الإطعام للكبير الذى لا يستطيع الصيام».
فقد أشار بقوله «وثبت الإطعام» إلى مثل ما أشار إليه حديث ابن عباس. وبذلك يلتقى الحديثان حديث معاذ وسلمة مع حديث ابن عباس, ويتبين أن فى حديثه ما يوافق الحديثين, وفيه ما يوافق حديث معاذ ويزيد على حديث سلمة وهو ثبوت الإطعام على العاجز عن الصيام, فاتفقت الأحاديث ولم تختلف والحمد لله على توفيقه.
وإذا عرفت هذا فهو خير مما ذكره الحافظ فى «الفتح» «٤/ ١٦٤»: «أن ابن عباس ذهب إلى أن الآية المذكورة محكمة, لكنها مخصوصة بالشيخ الكبير» لما عرفت أن ابن عباس صرح بأن الآية منسوخة, لكن حكمها منسحب إلى العاجز عن الصيام بدليل السنة لا الكتاب لما سبق بيانه, وقد توهم كثيرون أن ابن عباس يخالف الجمهور الذين ذهبوا إلى نسخ الآية وانتصر لهم الحافظ ابن حجر فى «الفتح» فقال «٨/ ١٣٦» تعليقا على رواية البخارى عن ابن عمر أنه قرأ «فدية طعام مسكين» , قال: «هو صريح فى دعوى النسخ, ورجحه ابن المنذر من جهة قوله: «وأن تصوموا خير لكم» قال: لأنها لو كانت فى الشيخ الكبير الذى لا يطيق الصيام, لم يناسب أن يقال له «وأن تصوموا خير لكم» مع أنه لا يطيق الصيام».
قلت: وهذه حجة قاطعة فيما ذكر, وهو يشير بذلك إلى الرد على ابن عباس, ومثله لا يخفى عليه مثلها, ولكن القوم نظروا إلى ظاهر الرواية المتقدمة عن ابن عباس عند البخارى الصريحة فى نفى النسخ, ولم يتأملوا فى الرواية الأخرى الصريحة فى النسخ, ثم لم يحاولوا التوفيق بينهما, وقد فعلنا ذلك بما سبق تفصيله, وخلاصته: أن يحمل النفى على نفى نسخ الحكم لا الآية, والحكم مأخوذ من السنة, ويحمل النسخ عليها, وبذلك يتبين أن ابن عباس رضى الله عنه ليس مخالفا للجمهور.
وهذا الجمع مما لم أقف عليه فى كتاب, فإن كان صوابا, فمن الله, وإن كان خطأ فمن نفسى, وأستغفر الله من كل ما لا يرضيه.
[إرواء الغليل تحت حديث رقم (٩١٢)]