للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكما قلت آنفاً: إن المرض لا يمكن حَصْرُه بخمسين نوع ولا بمائة نوع هذا من جهة، ومن جهة أخرى: ليس من الممكن أن نحصر قوة النوع الواحد من المرض .. مثلاً واحد عنده سخونة وارتفاع حرارة فهذه درجات، فمن الذي يحكم، وكلما أصاب شخصاً ما مرض ما لازم يجيب الطبيب ويعين وزن هذا المرض، حتى يُسمح له بالإفطار في رمضان؟ هذا تكليف لِعَنَتٍ آخر يتبرأ ديننا وإسلامُنا منه.

إذاً: السفر ما عُرف أنه سفر فهو سفر وإلا فليس بسفر، فالآن كما يقال: أهل مكة أدرى بشعابها وأصحاب الدار أدرى بما فيها، حينما يأتي أحدكم من العقبة إلى هنا، هل تقولون إنه مسافر؟ أنا لا أعرف، لكن إذا كان عُرفكم يقول لمن كان في العقبة أنا مسافر إلى الكويرة، فهو سفر طالت المسافة أو لا، وإذا قال لا أنا رايح على الكويرة لا يستعمل لفظة السفر، فهو ليس سفراً، هذا هو الضابط في الموضوع وإلا وقعتم في إشكالات ما تستطيعون .. ليس أنتم ولا مؤاخذة، ما تستطيعون الجواب عليها، أكبر عالم في الدنيا ما يستطيع أن يُعْطيكم جوابًا إذا ما ربطنا السفر بمسافات كيلومترات؛ لأن بعض البلاد كالصحارى مثلاً صحيح الطرقات العامة الآن مخططة وفي حجارة أو لافتات وما شابه ذلك من مثلاً القرية أو البلدة الفلانية في كذا كيلومتر، لكن لما الإنسان يخرج في الصحراء ويخرج في البادية ما في هذه القياسات إطلاقاً، ماذا يفعل هؤلاء المسلمون الذين يعيشون في مثل هذه الصحارى؟ بل ماذا يفعل المسلمون الذين يعيشون في مجاهيل أفريقيا ماذا يفعلون؟ إذا عرفوا يسر الله في دين الله ظهرت لهم حكمة الله في قوله: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} أي مطلق السفر مطلق ما يُعرف سفر فهو سفر، مطلق ما يُعرف مرض فهو مرض.

ويعجبني بهذا الصدد أن الإمام القرطبي صاحب التفسير «الجامع لأحكام القرآن» ذكر في تفسير هذه الآية {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} ذكر هنا في لفظة المرض أنه على إطلاقه، وذكر رواية عن محمد بن سيرين رحمه الله، بأنه رُئي يوماً في رمضان وهو مفطر ولا يبدو عليه لا أنه مسافر ولا أنه مريض، فلما أحدهم سأل: ما بالك أنت مفطر؟ فأراه إصبعه .. إصبعه مجروحة ورابطها فهو إذاً مريض.

<<  <  ج: ص:  >  >>