فقلت: ألست ترى البيوت؟ فقال: أرغبت عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأكل.
[رد الإمام الألباني القول برد الحديث ورجح قوته في الشواهد فيراجع البحث في الأصل ثم قال]:
دلالة الحديث على ما دل عليه حديث أنس:
وأما قول الشيخ: إن الحديث لو صح لم يكن فيه حجة لأنه ليس فيه أنه خرج بعد الصبح فركب ثم أكل فيحتمل أنه خرج من بيته قبل الفجر.
فأقول: الاحتمال المذكور باطل من وجوه:
أولا: أنه خلاف المتبادر من الحديث.
ثانيا: أنه خلاف ما فهم منه العلماء الذين خرجوه فهذا أبو داود يترجم له بقول: «باب متى يفطر المسافر إذا خرج؟ «يشير بذلك إلى أن أبا بصرة كان خرج صائما ثم أفطر وهذا المجد ابن تيمية ترجم له بقوله: «من سافر في أثناء يوم هل يفطر فيه؟ ومتى يفطر؟ » ومثله وأصرح منه قول البيهقي الآتي قريبا إن شاء الله تعالى.
ثالثا: أن أبا بصرة لو خرج قبل الفجر - كما ادعى الشيخ - فمعنى ذلك أنه سافر قبل أن يجب عليه الصيام لعدم وجود شرطه وهو الإقامة ومن المعلوم أن مثل هذا يجوز له الأكل بعد الفجر بنص القرآن واتفاق المسلمين بل إن بعضهم أوجبه عليه فإذ الأمر كذلك فهل يعقل أن يعترض عليه عبيد بن جبير بقول:«ألست ترى البيوت؟ » فلا شك أن هذا القول منه دليل على أن أبا بصرة خرج صائما وأنه أكل بعد الفجر وأفطر فأراد عبيد رحمه الله أن يلفت نظره إلى ما ظنه مانعا من الإفطار وهو كونه لا يزال في حكم المقيم لأنه لم يجاوز البيوت فأخبره أبو بصرة رضي الله عنه بأن المجاوزة ليست بشرط وأن التمسك به خلاف السنة ..
هذا هو المعنى الذي يمكن فهمه من الحديث إذا تجردنا عن الهوى والتقليد الأعمى وهو الذي فهمه العلماء كما ذكرت في الوجه الأول. ويشهد لذلك أيضا ترجمة البيهقي للحديث بقوله:«باب من قال يفطر وإن خرج بعد طلوع الفجر».