فهذا نص قاطع على بطلان ما تأول الشيخ الحديث به من المعنى وهو مما يدل على أن الشيخ يجتهد في فهم الأحاديث - خلاف ما يتظاهر به - وكأنه - ألهمنا الله الصواب جميعا - يجتهد لهدمها وإبطال معانيها حتى لا تتعارض مع مذهبه فالمذهب هو الأصل عنده والحديث تبع له وهذا خلاف ما يجب أن يكون عليه المسلم كما سبق التنبيه عليه «ص ٣٧» وخلاف ما جرى عليه العلماء المنصفون حتى من كان منهم معروفا باتباعه لمذهب من المذاهب الأربعة وأقرب شاهد لدينا على ذلك الإمام البيهقي رحمه الله فإنه مع اتباعه للمذهب الشافعي وتأييده له في أكثر مسائله فسر الحديث بقوله الذي ذكرته آنفا بخلاف ما ذهب إليه الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ولم يحمله معنى لا يتحمله ولا يساعد عليه الذوق العربي والفهم السليم كما صنع غيره وهو ينتمي لمذهب الشافعي أيضا.
رابعا: قول عبيد بن جبير: «ثم قرب غداءه» فإن فيه إشارة إلى أن الخروج والأكل كان غدوة وهي ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس كما نقله الشيخ نفسه عن القاموس.
فإذا ثبت هذا فلا أدري ما وجه تأييد الشيخ ما ذهب إليه في تأويل الحديث من المعنى بقول عبيد هذا؟ لأن أكل أبي بصرة سواء كان في أول النهار - وهو بعد الفجر - أو كان بعد طلوع الشمس فلا يؤيد بوجه من الوجوه قول الشيخ أن الخروج كان قبل الفجر.
فإذا تأمل العاقل في هذه الوجوه الأربعة تبين له دون أي شك أن الحديث حجة نيرة على جواز الإفطار المختلف فيه وأنه في ذلك كحديث أنس رضي الله عنه وقد صرح بذلك المحقق الشوكاني في «نيل الأوطار»«٤/ ١٩٥».