يوجد تجار لم يسمعوا مطلقاً أنه يجب على عروض التجارة زكاة، فهل يكون هذا عذر له؟ لا، ولذلك قال تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[النحل: ٤٣]. وفي الأمس القريب قلنا: إن هناك فروض عينية وفروض كفائية، وأن كل مكلف بلغ سن الرشد فيجب عليه أمور عينية من الصلاة وشروطها، لكن إذا كان فقيراً لا يجب عليه أن يعرف أحكام الزكاة، لا يجب عليه أن يعرف مناسك الحج، أَمَا وقد صار غنياً فهو يجب أن يعرف تفاصيل أحكام الزكاة، فكون هذا الغني بعروض التجارة لا يعرف نسبةً، وهذا ما أراده الله حيث لم يعرفنا، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}[مريم: ٦٤]، كما قال عز وجل في القرآن.
فإذاً: يجب أن يعرف أنه يجب أن يُخْرِج ما تطيب به نفسه، وقد قال عليه السلام في الحديث المعروف صحته:«لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه»، -وهنا بلا شك- وهذه حكمة إلهية بالغة، فحينما ربنا عز وجل أطلق هنا ولم يقيد، أراد امتحان هؤلاء الناس، وكما نعلم: كثيرًا من الأحكام قسم منها مطلق وكلها إلى المكلف، والإطلاق قد يكون من جانب، أو التقييد يكون من جانب قد يختلف عن جانب آخر، مثلاً: الزكوات المحدودة الأنصبة والكمية، نجدها على قسمين شرعاً: قسم منها ما يأتي الساعي من قِبَل الحاكم المسلم إلى الغني، ويأخذ تلك الزكاة رغم أنفه، وهي زكاة المواشي وزكاة الثمار.
قسم آخر وُكِلَ ذلك إلى نفس الغني كزكاة النقدين.
قد يقول قائل: ربما هذا الغني الذي لم يُكَلّف الشارع الحكيم الحاكم المسلم أن يرسل إلى الغني ويحصي ما له ويأخذ منه بالمائة اثنين ونصف، ربما هذا الغني لا يقوم بهذا الواجب، فهل هذا سؤال يصدر من مسلم؟
الجواب: لا؛ لأن الله عز وجل في كل ما شرع له حِكَم بالغة، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها، فلو تساءلنا: ما هي الحكمة في أن الله عز وجل جعل قسماً من هذه الواجبات على أموال الأغنياء، يأتي الساعي فيأخذها منه، وهنا تعلمون في أحكام تتعلق بالسُّعَاة، فهو لا يأخذ أحسن ما فيها ولا يأخذ أدنى ما فيها، رجعنا إلى