يتجاهل، ومثله عندي كمثل الحَزَوَّرة التي يُحَزِّر لما كنا صغارًا، الأطفال بعضهم بعض، يفاجئ زميله في المدرسة بِدّي حَزِّرك حَزورة: قنطار من قطن أثقل وإلا من رصاص؟ يقول لا الرصاص. وهو محدود الوزن بالقنطار، والأمر بديهي جداً، فالوزن واحد، لكن فيه إيهام في اللفظ، الرصاص أثقل من القطن، لكن هو لم يلاحظ أن النسبة من حيث الوزن واحدة! ! هو لم يلاحظ أن نسبة المنفعة بالنسبة للأمة عكس ما يتواهم هو! ! حينما يتساءل مستنكراً: كيف يُعْقل أن يفرض الزكاة على من عنده كذا من المال ولا يفرض على من كان عنده من العروض التجارية الملايين المملينة. هذا هو الجواب رقم واحد.
الجواب رقم اثنين: نحن لا نقول لا يجب على عروض التجارة زكاة مطلقاً، إنما نقول ما تقتضيه الأدلة الشرعية أولاً: ثم ما تقتضيه قاعدة اليُسْر في الشريعة ثانياً {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: ١٨٥].
نحن حينما نقول: لا زكاة على عروض التجارة، إنما نعني ما هو معروف عند المذاهب الأربعة، أن كل تاجر عليه في آخر كل سنة أن يقوِّم بضاعتَه، ثم أن يُخْرِج عن مجموع القيمة، كما لو كانت هذه القيمة في يده أو في صندوقه نقداً، فعليه أن يخرج في المائة اثنين ونصف.
هذا الذي نحن ننكره، ونقول لا دليل عليه في الشرع، لكن يُقابل هذا أننا نقول: أن هذا الرجل الغنيّ الذي حوَّل نقوده إلى بضاعة، نفع بها مجتمعه الإسلامي، لم ينجُ من الزكاة المطلقة، وأعني: أن كل تاجر يجب أن يُحَقِّق في نفسه قول الله تبارك وتعالى: {قد أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}[الشمس: ٩ - ١٠]، وأن يُزكِّى نفسه مما طُبِعت عليه وأحضرت عليه، كما قال تعالى:{وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ}[النساء: ١٢٨]، فعليه أن يزكيها، ولا يكون ذلك أبداً إلا بأن يَخْرج بقسم من ماله عن طيب نفسه.
فهذا التاجر الكبير الذي عنده أنواع من العروض، عليه أن يُخْرج منها ما تطيب به نفسه، تزكية وتطهيراً لها، هذا واجب عليه من باب استعمال النصوص العامة.
أمَّا الذين يقولون ما ذكرناه أنفاً من التقويم، فهذا ليس له أصل في الشرع.