وتذكر معه رد النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم، لما كره ذلك ونهى الناس عنه. وفي هذا دليل على أن الصحابي الجليل قد تخفى عليه سنة من سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو قول من أقواله فيجتهد برأيه فيخطئ وهو مع ذلك مأجور غير مأزور والعصمة لله وحده ثم لرسوله. وقد يقول قائل: إن ما ذكرته من الأدلة على وجوب التمتع وعلى رد ما يخالفه واضح مقبول ولكن يشكل عليه ما يذكره البعض أن الخلفاء الراشدين جميعا كانوا يفردون الحج فكيف التوفيق بين هذا وبين ما ذكرت؟
والجواب: أنه سبق أن بينا أن التمتع إنما يجب على من لم يسق الهدي، وأما من ساق الهدي فلا يجب عليه ذلك، بل لا يجوز له وإنما عليه أن يقرن وهو الأفضل أو يفرد، فيحتمل أن ما ذكر عن الخلفاء من الإفراد إنما هو لأنهم كانوا ساقوا الهدي. وحينئذ فلا منافاة والحمد لله.
وخلاصة القول: أن على كل من أراد الحج أن يأتي إحرامه بالعمرة ثم يتحلل منها بعد فراغه من السعي بين الصفا والمروة بقص شعره. وفي اليوم الثامن من ذي الحجة يحرم بالحج، فمن كان لبى بالقران أو الحج المفرد فعليه أن يفسخ ذلك بالعمرة إطاعة لنبيه - صلى الله عليه وسلم - والله عز وجل يقول:{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} - النساء: ٨٠، وعلى المتمتع بعد ذلك أن يقدم هديا يوم النحر أو في أيام التشريق وهو من تمام النسك وهو دم شكران وليس دم جبران وهو - كما قال ابن القيم - بمنزلة الأضحية للمقيم وهو من تمام عبادة هذا اليوم، فالنسك المشتمل على الدم بمنزلة العيد المشتمل على الأضحية وهو من أفضل الأعمال فقد جاء من طرق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل: أي الأعمال أفضل؟ فقال:«العج والثج» وصححه ابن خزيمة والحاكم والذهبي وحسنه المنذري، والعج: رفع الصوت بالتلبية. والثج: إراقة دم الهدي. وعليه أن يأكل من هديه كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما يأتي بيانه «فقرة ٩٠» ولقوله عز وجل فيما يذبح من الهدي في منى {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير} - الحج: ٢٨ وقد اتصلنا بكثير من الحجاج فعرفنا منهم أنهم مع كونهم يعلمون أن التمتع أفضل من الإفراد فكانوا يفردون ثم يأتون بالعمرة بعد الحج من التنعيم وذلك لئلا يلزمهم الهدي.
وفي هذا من المخالفة للشارع الحكيم والاحتيال على شرعه ما لا يخفى فساده فإن الله بحكمته شرع العمرة قبل الحج وهم يعكسون ذلك، وأوجب على المتمتع