والآخر: أن يكون صالحا. ولا يكون صالحا إلا إذا كان موافقا للسنة غير مخالف لها، ومن المقرر عند ذوي التحقيق من أهل العلم أن كل عبادة مزعومة لم يشرعها لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله ولم يتقرب هو بها إلى الله بفعله فهي مخالفة لسنته لأن السنة على قسمين: سنة فعلية وسنة تركية فما تركه - صلى الله عليه وسلم - من تلك العبادات فمن السنة تركها، ألا ترى مثلا أن الأذان للعيدين ولدفن الميت مع كونه ذكرا وتعظيما لله عز وجل لم يجز التقرب به إلى الله عز وجل وما ذلك إلا لكونه سنة تركها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد فهم هذا المعنى أصحابه - صلى الله عليه وسلم - فكثر عنهم التحذير من البدع تحذيرا عاما كما هو مذكور في موضعه، حتى قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه:«كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا تعبدوها». وقال ابن مسعود رضي الله عنه:«اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، عليكم بالأمر العتيق». فهنيئا لمن وفقه الله في عبادته لاتباع سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ولم يخالطها ببدعة، إذا فليبشر بتقبل الله عز وجل لطاعته وإدخاله إياه في جنته. جعلنا الله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. واعلم أن البدع التي ستمر بك على نوعين: بدع وجدتُ أنا من نَصَّ على بدعيتها من أهل العلم في كتبهم فهذا العلامة عليه عزوها إليهم. وهذا النوع من الأكثر. والآخر: بدع لم أجد من نص على بدعيتها ولكن السنة أو القواعد العلمية الأصولية تحكم ببدعتها، فهذا الدليل عليه خلوه من العزو. ومرجع هذه البدع أمور: الأول أحاديث ضعيفة لا يجوز الاحتجاج بها ولا نسبتها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومثل هذا لا يجوز العمل به عندنا على ما بينته في مقدمة «صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -» وهو مذهب جماعة من أهل العلم كابن تيمية وغيره.
الثاني: أحاديث موضوعة أو لا أصل لها خفي أمرها على بعض الفقهاء خاصة المتأخرين منهم لم يدعموها بأي دليل شرعي بل ساقوها مساق الأمور المسلمات حتى صارت سننا تتبع، ولا يخفى على المتبصر في دينه أن ذلك مما لا يسوغ اتباعه إذ لا شرع إلا ما شرعه الله تعالى، وحسب المستحسن - إن كان مجتهدا - أن يجوز له هو العمل بما استحسنه وأن لا يؤاخذه الله به، أما أن يتخذ الناس ذلك شريعة وسنة