الرسول عليه السلام، إلا أن يطبقوا في مسجده الآداب التي تطبق في كل مساجد بلاد الإسلام، وقد يأتي بعضهم إلى قبره كما ثبت عن عبد الله ابن عمر -رضي الله تعالى عنه- ولكنه لا يزيد على قوله: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا عمر أو يا أبتي، فقط هذه الكلمات الطيبات سلام، فيُعامل النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يُعَامِل خليفته الأول أبا بكر ثم أباه عمر، يُسَلِّم عليهم جميعاً، ثم لا يتردد على قبره ما أقام في المدينة كما يفعل الزوار اليوم، بعد كل صلاة ستجدون [ذلك]، هذا من آثار الغلو بديل أن يجلسوا بعد الصلاة وأن يأتوا بالأوراد والأذكار المشروعة والتي يترتب من ورائها أن يغفر الله لهم ذنوبهم جميعها، إذا بهم يقفزون والشاطر منهم الذي بيقترب من النافذة، وكأنما يصافحون النبي عليه السلام.
هذا كله من باب الغلو في الدين، لم يكن الصحابة أبداً بعد السلام يفعلون شيئًا من ذلك؛ علماً أن قبر النبي في عهد الصحابة لم يكن في المسجد، كانت الحجرة التي دفن فيها الرسول عليه السلام لا تزال كما كانت في أول عهدها حينما كان الرسول حياً يخرج منها إلى المسجد، ينتهي من الصلاة يعود إليها وهي شرقي المسجد، هكذا كانت الحجرة في زمن الصحابة، فما كانوا هم يومئذٍ يستطيعون أن يستقبلوا القبر وأن يستدبروا الكعبة، لم يكن ذلك في مكنتهم وفي قدرتهم ذلك؛ لأن جهة القبلة لم يكن مسجداً.
ومن آثار الابتداع في الدين الذي وقع في عهد الوليد بن عبد الملك لما أدخلوا القبر النبوي إلى المسجد، وأفرغوه من جميع النواحي، فصار عملياً كأنه كعبة، ومن ذلك أنهم اليوم -كما سترون ذلك إن شاء الله- ترون هؤلاء الناس عقب الصلاة يستدبرون القبلة ويستقبلون القبر، لم يكن هذا ممكنًا يومئذ، ومن الآثار المخالفة الأحاديث الرسول التي تنهى عن إدخال القبر بالمسجد، والأحاديث في ذلك كثيرة وكثيرة جداً، حسبنا الآن التذكير بحديث واحد ألا وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد» فدخل القبر أو أدخلوا القبر إلى المسجد؛ فصار الناس الصالحون -زعموا- لا يصلون في الروضة -مثلاً- وإنما يتقصدون الصلاة في هذه السُّدّة التي