فهذه يجب على كل معتمر وكل حاج أن يسجل هذه العبارة في ذاكرته، ولا ينساها مدى الدهر؛ لما يترتب من ورائها من ثمرة هامة جداً كما رأيتم، فإذا انطلق العُمَّار بعد هذه التلبية، لا يمشون إلا بعد أن يصلوا ركعتين، لكن يجب أن نعلم أن هاتين الركعتين ليستا ركعتي الإحرام، وإنما هما بخصوص ذاك الميقات، وفي ذاك المكان، أي: وادي العقيق الذي هو أسفل من المسجد، الإحرام ليس له صلاة، لكن الذي وقع من الرسول عليه السلام أنه أحرم بعد صلاة الظهر، فإذا تيسر للإنسان أن يصلي الظهر هناك في المسجد مع الجماعة، أو ما تيسر له مع الجماعة؛ لأنه مسافر فصلى الظهر، وأحرم بالعمرة بعد الصلاة، فهذا جيد.
أما أن يتقصد صلاة ركعتين بنية سنة الإحرام، فليس للإحرام سنة خاصة، لكن هناك في ذاك المكان في «ذو الحليفة» في وادي ذي الحليفة يُشْرع ركعتان لخصوص المكان، وليس لخصوص الإحرام، حيث جاء في صحيح البخاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:«جاءني جبريل فقال: إنك في الوادي، في وادٍ مبارك وادي العقيق فصَلِّ ركعتين».
فإذاً: هناك في ذي الحليفة بخاصة يُسَن أن يصلي ركعتين؛ لأنه وادٍ مبارك كما حَدَّث به جبريلُ نبيَّنا عليهما الصلاة والسلام، بعد ذلك ينطلقون ملبين، والتلبية ذكر يختلف عن عامة الأذكار، ذلك؛ لأن عامة الأذكار الأصل فيها: الإخفات وعدم الجهر، أما التلبية في الحج والعمرة على العكس من ذلك: أن يرفع صوته ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وقد أشار إلى ذلك نبينا عليه السلام بقوله لما سُئل عن الحج عن أفضل الحج قال:«العج والثج» أفضل الحج: العج والثج، العج: هو رفع الصوت بالتلبية، والثج: هو ذبح الهدايا والضحايا، هذا أفضل الحج تنفيذاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذه الكلمة العج قال جابر - وقد روى لنا قصة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -: فما وصلنا الروحاء إلى وقد بحت أصواتنا من رفع الأصوات في التهليل والتكبير، بُحَّت أصواتنا هذا لا يشرع في غير التلبية، التلبية شعيرة من شعائر الحج، فيجب الجهر والصدع بها.