للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقدور، فإن كان قادراً ولم يصل قط؛ علم أن الداعي في حقه لم يوجد، والاعتقاد التام لعقاب التارك باعث على الفعل. لكن هذا قد يعارضه أحياناً أمور توجب تأخيرها، وترك بعض واجباتها، وتفويتها أحياناً. فأما من كان مصراً على تركها لا يصلي قط، ويموت على هذا الإصرار والترك؛ فهذا لا يكون مسلماً.

لكن أكثر الناس يصلون تارة، ويتركونها تارة، فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها، وهؤلاء تحت الوعيد، وهم الذين جاء فيهم الحديث الذي في «السنن»، حديث عبادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أنه قال: «خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة؛ من حافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عهد عند الله؛ إن شاء عذبه؛ وإن شاء غفر له» (١). فالمحافظ عليها: الذي يصليها في مواقيتها كما أمر الله تعالى.

والذي يؤخرها «الأصل: ليس يؤخرها» أحياناً عن وقتها، أو يترك واجباتها؛ فهذا تحت مشيئة الله تعالى. وقد يكون لهذا نوافل يكمل بها فرائضه كما جاء في الحديث (٢).

وعلى هذا المحمل يدل كلام الإمام أحمد أيضاً؛ الذي شهر عنه بعض أتباعه المتأخرين القول بتكفير تارك الصلاة دون تفصيل، وكلامه يدل على خلاف ذلك «بحيث لا يخالف هذا الحديث الصحيح، كيف وهو قد أخرجه في «مسنده» كما أخرج حديث عائشة بمعناه كما تقدم؟ ! فقد ذكر ابنه عبد الله في مسائله «٥٥» قال: «سألت أبي رحمه الله عن ترك الصلاة متعمداً؟ قال: والذي يتركها لا يصليها، والذي يصليها في غير وقتها؛ أدعوه ثلاثاً؛ فإن صلى وإلا ضربت عنقه، هو عندي


(١) حديث صحيح مخرج في «صحيح أبي داود ٤٥١ و ١٢٧٦». [منه].
(٢) يشير- رحمه الله- إلى قوله له: «أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة؛ يقول ربنا عز وجل لملائكته- وهو أعلم-: انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئاً قال: انظروا، هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم».
وهو حديث صحيح، مخرج في «صحيح أبي داود ٨١٠». [الناشر ناشر الصحيحة].

<<  <  ج: ص:  >  >>