قلت: فهذا نص من الإمام أحمد بأنه لم يكفر بمجرد تركه للصلاة، وإنما بامتناعه من الصلاة مع علمه بأنه سيقتل إن لم يصل، فالسبب هو إيثاره القتل على الصلاة، فهو الذي دل على أن كفره كفر اعتقادي، فاستحق القتل.
ونحوه ما ذكره المجد ابن تيمية -جد شيخ الإسلام ابن تيمية- في كتابه «المحرر في الفقه الحنبلي»«ص ٦٢»: «ومن أخر صلاة تكاسلاً لا جحوداً أمر بها؛ فإن أصر حتى ضاق وقت الأخرى؛ وجب قتله».
قلت: فلم يكفر بالتأخير، وإنما بالإصرار المنبئ عن الجحود. ولذلك قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله في «مشكل الآثار» في باب عقده في هذه المسألة، وحكى شيئاً من أدلة الفريقين، ثم اختار أنه لا يكفر؛ قال «٤/ ٢٢٨»: «والدليل على ذلك أنا نأمره أن يصلي، ولا نأمر كافراً أن يصلي، ولو كان بما كان منه كافراً لأمرناه بالإسلام؛ فإذا أسلم أمرناه بالصلاة؛ وفي تركنا لذلك وأمرنا إياه بالصلاة؛ ما قد دل على أنه من أهل الصلاة؛ ومن ذلك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أفطر في رمضان يوماً متعمداً بالكفارة التي أمره بها وفيها الصيام؛ لا يكون الصيام إلا من المسلمين. ولما كان الرجل يكون مسلماً إذا أقر بالإسلام قبل أن يأتي بما يوجبه الإسلام من الصلوات الخمس؛ ومن صيام رمضان كان كذلك؛ ويكون كافراً بجحوده لذلك؛ ولا يكون كافراً بتركه إياه بغير جحود منه له؛ ولا يكون كافراً إلا من حيث كان مسلماً، وإسلامه كان بإقراره بالإسلام؛ فكذلك ردته لا تكون إلا بجحوده الإسلام».
قلت: وهذا فقه جيد، وكلام متين لا مرد له، وهو يلتقي تماماً مع ما تقدم من كلام الإمام أحمد رحمه الله الدال على أنه لا يكفر بمجرد الترك؛ بل بامتناعه من الصلاة بعد دعائه إليها، وإن مما يؤكد ما حملت عليه كلام الإمام أحمد؛ ما جاء في كتاب «الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل» للشيخ علاء الدين المرداوي؛ قال رحمه الله «١/ ٤٠٢» -كالشارح لقول