للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت، وذلك يوم النفر، فأبت، وقالت: أيرجع الناس بأجرين وأرجع بأجر؟ وفي رواية عنها: يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسك واحد؟ وفي أخرى: يرجع الناس «وعند أحمد «٦/ ٢١٩»: صواحبي، وفي أخرى له «٦/ ١٦٥ و ٢٦٦»: نساؤك» بعمرة وحجة، وأرجع أنا بحجة؟ وكان - صلى الله عليه وسلم - رجلا سهلا إذا هويت الشيء تابعها عليه، فأرسلها مع أخيها عبد الرحمن، فأهلت بعمرة من التنعيم. فقد تبين مما ذكرنا من هذه الروايات - وكلها صحيحة - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أمرها بالعمرة عقب الحج بديل ما فاتها من عمرة التمتع بسبب حيضها، ولذلك قال العلماء في تفسير قوله - صلى الله عليه وسلم - المتقدم: " هذه مكان عمرتك " أي: العمرة المنفردة التي حصل لغيرها التحلل منها بمكة، ثم أنشأوا الحج مفردا «٢». إذا عرفت هذا، ظهر لك جليا أن هذه العمرة خاصة بالحائض التي لم تتمكن من إتمام عمرة الحج، فلا تشرع لغيرها من النساء الطاهرات، فضلا عن الرجال. ومن هنا يظهر السر في إعراض السلف عنها، وتصريح بعضهم بكراهتها، بل إن عائشة نفسها لم يصح عنها العمل بها، فقد كانت إذا حجت تمكث إلى أن يهل المحرم ثم تخرج إلى الجحفة فتحرم منها بعمرة، كما في " مجموع الفتاوى " لابن تيمية «٢٦/ ٩٢». وقد أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» «٤/ ٣٤٤» بمعناه عن سعيد بن المسيب أن عائشة رضي الله عنها كانت تعتمر في آخر ذي الحجة من الجحفة. وإسناده صحيح. وأما ما رواه مسلم «٤/ ٣٦» من طريق مطر: قال أبو الزبير: فكانت عائشة إذا حجت صنعت كما صنعت مع نبي الله - صلى الله عليه وسلم -.

ففي ثبوته نظر، لأن مطرا هذا هو الوراق فيه ضعف من قبل حفظه، لاسيما وقد خالفه الليث بن سعد وابن جريج كلاهما عن أبي الزبير عن جابر بقصة عائشة، ولم يذكرا فيها هذا الذي رواه مطر، فهو شاذ أو منكر، فإن صح ذلك فينبغي أن يحمل على ما رواه سعيد بن المسيب، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «الاختيارات العلمية» «ص ١١٩»: «يكره الخروج من مكة لعمرة تطوع، وذلك بدعة لم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا أصحابه على عهده، لا في رمضان ولا في غيره، ولم يأمر عائشة بها، بل أذن لها بعد المراجعة تطييبا لقلبها، وطوافه بالبيت أفضل من

<<  <  ج: ص:  >  >>