فالآثار التي جاءت موقوفة على أحد الصحابة قول ابن عباس -رضي الله تعالى عنه- قال:«نزل القرآن جملة واحدة إلى بيت العِزَّة في السماء الدنيا، ثم نزل أَنْجُماً مُفَرَّقاً حسب الحوادث» انتهى حديث ابن عباس، أو نقول: انتهى قول ابن عباس.
هذا قول لم يقل فيه ابن عباس قال رسول الله، أو سمعت رسول الله، فهل هذا يؤخذ به أم لا؟
الجواب: أن مثل هذا القول لا يُمْكن أن يُقَال بالرأي والاجتهاد؛ ذلك لأنه يتحدث عن بعض الأمور الغيبية، ما يدري ابن عباس وهو لا يُوحَى إليه أن القرآن نزل كتلة واحدة، جملة واحدة إلى السماء الدنيا دون السماء الثانية أو غيرها، ثم ما يدريه أنه نزل إلى مكان يُسَمَّى ببيت العزة، ومن السماء الدنيا، هذه أمور غيبية لا طاقة للبشر أن يتحدثوا بها إلا رَجْماً بالغيب كما يفعل المُنَجِّمون والكُهَّان والعرافون، وحاشا لابن عباس وهو ترجمان القرآن أن يتخرص وأن يتكلم رجماً بالغيب.
لذلك يقول العلماء: إن هذا الأثر موقوف في حكم المرفوع؛ لأنه لا يمكن أن يقال بمجرد الرأي، فإذا عرفنا هذه القاعدة التي يجب إعْمَالُها في الآثار الموقوفة، فبعضها تكون في حكم المرفوع، وليس لنا خيرة في رَدِّها، وبعضها لنا الخيرة في قبولها وفي ردها بشرط أن لا نخالف نصاً مرفوعاً، هذا الشرط هنا بالنسبة لفعل جابر منفي بشرط أن لا نخالف، قد خالفنا إذا فعلنا فعل جابر قول الرسول عليه السلام الصريح:«لا يصلين أحدكم وليس على عاتقه من ثوبه شيء».
أما التوفيق بين هذا الحديث وأثر جابر، فممنوع من ناحيتين:
الناحية الأولى: أنه إنما يوفق بين نصين .. أما وقد ذكرنا آنفاً أن أثر جابر موقوف ليس في حكم المرفوع، فحينذاك نحن في حِلّ من أن نُوَفِّق بينه وبين الحديث المرفوع.
والشيء الثاني: أن نون التأكيد المشددة المقرونة بالنهي: «لا يصلينَّ أحدكم وليس على عاتقيه من ثوبه شيء» يمنع من ذاك التأويل، ويحملنا على أن نجزم على