وثمة ثالثة؛ وهي حمنة بنت جحش، وهي التي أشار إليها ابن تيمية؛ فإن في حديثها:«إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة؛ فما ترى فيها؛ قد منعتني الصلاة والصوم .. » الحديث. أخرجه أبو داود وغيره من أصحاب «السنن» بإسناد حسن، وصححه جمع، وهو مخرج في «صحيح أبي داود»«٢٩٣» و «الإرواء»«٨٨١».
هذا؛ وهناك نص آخر للإمام أحمد كان ينبغي أن يضم إلى ما سبق نقله عنه؛ لشديد ارتباطه به ودلالته أيضاً على أن تارك الصلاة لا يكفر بمجرد الترك، ولكن هكذا قُدِّر؛ قال عبد الله بن أحمد في «مسائله»«ص ٥٦/ ١٩٥»:
«سألت أبي عن رجل فرط في صلوات شهرين؟ فقال: يصلي ما كان في وقت يحضره ذكر تلك الصلوات؛ فلا يزال يصلي حتى يكون آخر وقت الصلاة التي ذكر فيها هذه الصلوات التي فرط فيها؛ فإنه يصلي هذه التي يخاف فوتها؛ ولا يضيع مرتين؛ ثم يعود فيصلي أيضاً حتى يخاف فوت الصلاة التي بعدها؛ إلا إن كثر عليه؛ ويكون ممن يطلب المعاش؛ ولا يقوى أن يأتي بها؛ فإنه يصلي حتى يحتاج إلى أن يطلب ما يقيمه من معاشه؛ ثم يعود إلى الصلاة؛ لا تجزئه صلاة وهو ذاكر الفرض المتقدم قبلها، فهو يعيدها أيضاً إذا ذكرها وهو في صلاة».
فانظر أيها القارئ الكريم! هل ترى في كلام الإمام أحمد هذا إلا ما يدل على ما سبق تحقيقه؛ أن المسلم لا يخرج من الإسلام بمجرد ترك الصلاة؛ بل صلوات شهرين متتابعين! بل وأذن له أن يؤجل قضاء بعضها لطلب المعاش.
وهذا عندي يدل على شيئين: أحدهما -وهو ما سبق-: أنه يبقى على إسلامه، ولو لم تبرأ ذمته بقضاء كل ما عليه من الفوائت.
والآخر: أن حكم القضاء دون حكم الأداء؛ لأنني لا أعتقد أن الإمام أحمد - بل ولا من هو دونه في العلم- يأذن بترك الصلاة حتى يخرج وقتها لعذر طلب المعاش. والله سبحانه وتعالى أعلم.