للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخاصة بتمييز الصحيح من الضعيف، ولا يخلط بين المحدثين وبين الفقهاء؛ لأن هذا يخرج عما يعرفه كل إنسان عاقل مثقف ..

لأن لأهل الاختصاص مزايا على غيرهم، فعلماء الحنفية حينما يُضَعِّفون حديثاً، فإنما ينطلقون في تضعيفهم انتصاراً لمذهبهم، وليس اتباعاً منهم لطرق تصحيح الأحاديث أو تضعيفها.

ونحن بالتجربة نعرف فرقاً كبيراً جداً بين أهل الحديث، وبين الفقهاء، فيما يتعلق بالحديث.

وأضرب على ذلك مثلاً سهلاً إن شاء الله، فإن من رأي علماء الحنفية كما هو معلوم، القول بعدم شرطية قراءة الفاتحة في الصلاة، وإنما يقولون بوجوبها، وهم على علم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»، يقولون: هذا حديث صحيح، ولكنه حديث آحاد، ولا يجوز عندهم استناداً لعلم الأصول -وهذا في الواقع من شواذهم- يقولون: لا يجوز تخصيص النص المتواتر بالنص الآحادي.

ويعنون هنا بالنص المتواتر قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: ٢٠]، يقولون إن هذه الآية أَطْلَقت ما تَيَسّر من القرآن، فلا يجوز تقييد هذا النص القرآني المُطْلَق بالحديث النبوي المُقَيِّد؛ لأنه حديث آحاد، ولا يجوز عندهم تقييد المتواتر بالآحاد.

ولست أُريد أن أُناقش هذه المسألة من كل جوانبها أو أطرافها، لكن أُريد أن أُدَنْدِن حول قولهم بأن حديث: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» حديث آحاد، فما قيمة قول هؤلاء الفقهاء مهما كان شأنهم في المعرفة بالفقه والفهم لنصوص الكتاب والسنة، حينما يتكلمون فيما ليس من اختصاصهم، فَيَدَّعون أن حديث: «لا صلاة لمن يقرأ بفاتحة الكتاب» هو حديث آحاد، و «أمير المؤمنين» في الحديث ألا وهو «الإمام محمد بن إسماعيل البخاري» يقول في مطلع رسالته المعروفة «بجزء القراءة في الصلاة»: تواتر الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب».

<<  <  ج: ص:  >  >>