للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - جليل هذا المذهب ظاهر النهي في الأحاديث المتقدمة، فإن الأصل فيه أنه يقتضي البطلان. وهذا هو الأقرب إلى الصواب لولا ما يأتي ذكره عند الكلام على دليل القول الثالث.

٢ - ذهب هؤلاء إلى أن النهي لجهالة الثمن، قال الخطابي: «إذا جهل الثمن بطل البيع. فأما إذا باته على أحد الأمرين في مجلس العقد، فهو صحيح».

وأقول: تعليلهم النهي عن بيعتين في بيعة بجهالة الثمن، مردود لأنه مجرد رأي مقابل النص الصريح في حديث أبي هريرة وابن مسعود أنه الربا. هذا من جهة. ومن جهة أخرى أن هذا التعليل مبني على القول بوجوب الإيجاب والقبول في البيوع، وهذا مما لا دليل عليه في كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل يكفي في ذلك التراضي وطيب النفس، فما أشعر بهما ودل عليهما فهو البيع الشرعي وهو المعروف عند بعضهم ببيع المعاطاة»، قال الشوكاني في «السيل الجرار» «٣/ ١٢٦»: «وهذه المعطاة التي تحقق معها التراضي وطيبة النفس هي البيع الشرعي الذي أذن الله به، والزيادة عليه هي من إيجاب ما لم يوجبه الشرع». وقد شرح ذلك شيخ الإسلام في «الفتاوي» «٢٩/ ٥ - ٢١» بما لا مزيد عليه، فليرجع إليه من أراد التوسع فيه.

قلت: وإذا كان كذلك، فالشاري حين ينصرف بما اشتراه، فإما أن ينقد الثمن، وإما أن يؤجل، فالبيع في الصورة الأولى صحيح، وفي الصورة الأخرى ينصرف وعليه ثمن الأجل - وهو موضع الخلاف - فأين الجهالة المدعاة؟ وبخاصة إذا كان الدفع على أقساط، فالقسط الأول يدفع نقدا، والباقي أقساط حسب الاتفاق. فبطلت علة الجهالة أثرا ونظرا.

٣ - دليل القول الثالث حديث الترجمة وحديث ابن مسعود، فإنهما متفقان على أن «بيعتين في بيعة ربا»، فإذن الربا هو العلة، وحينئذ فالنهي يدور مع العلة وجودا وعدما، فإذا أخذ أعلى الثمنين، فهو ربا، وإذا أخذ أقلهما فهو جائز كما تقدم عن

العلماء الذين نصوا أنه يجوز أن يأخذ بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين، فإنه بذلك لا يكون قد باع بيعتين في بيعة، ألا ترى أنه إذا باع السلعة بسعر يومه، وخير الشاري

<<  <  ج: ص:  >  >>