للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين أن يدفع الثمن نقدا أو نسيئة أنه لا يصدق عليه أنه باع بيعتين في بيعة كما هو ظاهر، وذلك ما نص عليه - صلى الله عليه وسلم - في قوله المتقدم: «فله أوكسهما أو الربا»، فصحح البيع لذهاب العلة، وأبطل الزيادة لأنها ربا، وهو قول طاووس والثوري والأوزاعي رحمهم الله تعالى كما سبق. ومنه تعلم سقوط قول الخطابي في «معالم السنن» «٥/ ٩٧»: «لا أعلم أحدا من الفقهاء قال بظاهر هذا الحديث، وصحح البيع بأوكس الثمنين، إلا شيء يحكى عن الأوزاعي، وهو مذهب فاسد، وذلك لما تتضمنه هذه العقدة من الغرر والجهل». قلت: يعني الجهل بالثمن كما تقدم عنه وقد علمت مما سلف أن قوله هو الفاسد لأنه أقامه على علة لا أصل لها في الشرع، بينما قول الأوزاعي قائم على نص الشارع كما تقدم، ولهذا تعقبه الشوكاني بقول في «نيل الأوطار» «٥/ ١٢٩»: «ولا يخفى أن ما قاله الأوزاعي هو ظاهر الحديث لأن الحكم له بالأوكس يستلزم صحة البيع». قلت: الخطابي نفسه قد ذكر أن الأوزاعي قال بظاهر الحديث، فلا فرق بينه وبين الخطابي من هذه الحيثية إلا أن الخطابي تجرأ في الخروج عن هذا الظاهر ومخالفته لمجرد علة الجهالة التي قالوها برأيهم خلافا للحديث. والعجيب حقا أن الشوكاني تابعهم في ذلك بقوله: «والعلة في تحريم بيعتين في بيعة عدم استقرار الثمن في صورة بيع الشيء الواحد بثمنين .. ». وذلك لأن هذه المتابعة تتماشى مع الذين يوجبون الإيجاب والقبول في البيوع، والشوكاني يخالفهم في ذلك، ويقول بصحة بيع المعاطاة، وفي هذه الصورة «أعني المعطاة» الاستقرار متحقق كما بينته آنفا.

ثم إنه يبدو أن الشوكاني - كالخطابي - لم يقف على من قال بظاهر الحديث - كالأوزاعي -، وإلا لما سكت على ما أفاده كلام الخطابي من تفرد الأوزاعي، وقد روينا لك بالسند الصحيح سلفه في ذلك - وهو التابعي الجليل طاووس - وموافقة الإمام الثوري له، وتبعهم الحافظ ابن حبان، فقال في «صحيحه» «٧/ ٢٢٦»: «ذكر البيان بأن المشتري إذا اشترى بيعتين في بيعة على ما وصفنا وأراد مجانبة الربا كان له أوكسهما». ثم ذكر حديث الترجمة، فهذا مطابق لما سبق من أقوال أولئك الأئمة، فليس الأوزاعي وحده الذي قال بهذا الحديث. أقول هذا بيانا للواقع، ولكي لا يقول بعض ذوي الأهواء أو من لا علم عنده، فيزعم أن

<<  <  ج: ص:  >  >>