للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مذهب الأوزاعي هذا شاذ! وإلا فلسنا - والحمد لله - من الذين لا يعرفون الحق إلا بكثرة القائلين به من الرجال، وإنما بالحق نعرف الرجال.

والخلاصة أن القول الثاني ثم أضعف الأقوال لأنه لا دليل عنده إلا الرأي، مع مخالفة النص، ويليه القول الأول لأن ابن حزم الذي قال به ادعى أن حديث الترجمة منسوخ بأحاديث النهي عن بيعتين في بيعة، وهذه دعوى مردودة لأنها خلاف الأصول، فإنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، وهذا من الممكن هنا بيسر، فانظر مثلا حديث ابن مسعود، فإنك تجده مطابقا لهذه الأحاديث، ولكنه يزيد عليها ببيان علة النهي، وأنها «الربا».

وحديث الترجمة يشاركه في ذلك، ولكنه يزيد عليه فيصرح بأن البيع صحيح إذا أخذ الأوكس، وعليه يدل حديث ابن مسعود أيضا لكن بطريق الاستنباط على ما تقدم بيانه. هذا ما بدا لي من طريقة الجمع بين الأحاديث والتفقه فيها، وما اخترته من أقوال العلماء حولها، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي، والله أسأل أن يغفره لي وكل ذنب لي.

واعلم أخي المسلم! أن هذه المعاملة التي فشت بين التجار اليوم، وهي بيع التقسيط، وأخذ الزيادة مقابل الأجل، وكلما طال الأجل زيد في الزيادة، إن هي إلا معاملة غير شرعية من جهة أخرى لمنافاتها لروح الإسلام القائم على التيسير على الناس والرأفة بهم، والتخفيف عنهم كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «رحم الله عبدا سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى، سمحا إذا اقتضى». رواه البخاري.

وقوله: «من كان هينا، لينا، قريبا حرمه الله على النار». رواه الحاكم وغيره، وقد سبق تخريجه برقم «٩٣٨». فلو أن أحدهم اتقى الله تعالى، وباع بالدين أو بالتقسيط بسعر النقد، لكان أربح له حتى من الناحية المادية لأن ذلك مما يجعل الناس يقبلون عليه ويشترون من عنده ويبارك له في رزقه، مصداق قوله عز وجل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>