للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا لاحظنا أن الأمر هكذا، أي: العملة الورقية قيمتها ليست في ذاتها، وإنما باعتبار ارتباطها بالذهب، فلما أنت تشتري عشرة بأحد عشر، معناها مثلما اشتريت عشرة جنيهات ذهبية بإحدى عشر ذهبية، وهذا لا يجوز بنص الحديث.

وانكشف الأمر انكشافاً واضحاً، بسبب هبوط الدينار الأردني في الأيام القليلة هذه، وهنا تَحَرّك بعض الناس.

بينما المسألة كانت من قبل واضحة جداً، أن المتاجرة وتعاطي عملية الصرف بالعملات الورقية سواء كانت عربية أو كانت أجنبية، لا يجوز فيها.

فإذا كان السؤال كما جاء مع المثال السابق، فأنا أقول: إن من استدان قبل سنة أو أكثر ألف دينار أردني، والألف الآن من حيث القيمة الشرائية يساوي خمسمائة دينار مثلاً، فعلى المدين الذي استلف من الدائن ألف دينار أن يسلمها مضاعفة، وليس هذا من الربا في شيء، وإنما هو داخل في عموم قوله عليه السلام: «خيركم خيركم قضاءً، وأنا خيركم قضاءً».

وواضح جداً أن الذي أقرض أخاه المسلم منذ سنة مثلاً ألف دينار قد أحسن إليه، فالمقرض إذا أراد أن يُوَفِّيه اليوم ألف دينار، وهي في القوة الشرائية تساوي خمسمائة أو نحو ذلك، ليس مهم الدقة هنا، أنه يسيء إليه.

والشرع أقام المعاملة على مثل قوله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ} [الرحمن: ٦٠]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أحب للناس ما تحب لنفسك».

وقوله: «لا يؤمن أحدكم، حتى يُحِب لأخيه ما يحب لنفسه».

فهذا المدين الذي يصعب عليه الآن أن يدفع بدل الألف ألفين، ليقلب الوضع فكرياً ونظرياً، ليفترض أنه كان هو الدائن ودائنه كان اليوم مدينا، ماذا يفعل؟ يرضى بأن يقبل بدل الألف الألف عيناً، مع أن قوته الشرائية هبطت إلى النصف، بلا شك لا يرضى ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>