نعود إلى الخصال الست التي استُثْنِيت من الغيبة المُحرّمة، كان أولها المتظلم، وفيها هذا النص القرآني، والحديث النبوي، وهناك حديث آخر، وهو من روائع أساليب الرسول عليه السلام في تربية المسلم الذي انحرف عن سواء السبيل، فقد روى الإمام البخاري في كتابه:«الأدب المفرد» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يشكو جاراً له قائلاً: يا رسول الله! جاري ظلمني. قال: فاجعل متاع دارك في الطريق». فأخرج عفش الدار وألقاه في الطريق.
ولا شك أن هذا العمل مما يُلْفت الأنظار، كلما مَرَّ شخص أو أشخاص مالك هنا؟ فيقول: جاري ظلمني. فيقولون: قاتله الله .. لعنه الله .. كلما مرَّ شخص أو أشخاص أو طائفة من الناس: ما بالك؟ فيقول: جاري ظلمني. فيسبُّوه: قاتله الله .. لعنه الله .. والظالم يسمع، فما كان منه إلا أن انطلق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليقول له: يا رسول الله! مُر جاري بأن يُعيد متاعه إلى داره، فقد لعنني الناس، فقال عليه الصلاة والسلام:«لقد لعنك من في السماء قبل أن يلعنك من في الأرض».
فهذا من الأحاديث التي يستدل بها العلماء على جواز استغابة الظالم.
أولاً: المظلوم شكاه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقال له: جاري ظلمني، ولا شك أن هذه غيبة بالنسبة للتعريف العام غيبة؛ «ذِكْرُك أخاك بما يكره»، وهو يكره أنه يقال عنه إنه ظالم، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي جاء بالشرع لإصلاح ما فسد من الناس، لا يدع القاعدة العامة التي وُضِعَت لإصلاح الناس لتعود مفسدة لإفساد الناس، وإنما وضع لها قيودًا وحدودًا وشروطًا، وهذا الوضع يكون ببيانه عليه السلام، بفعله وبقوله، فنجد الرسول عليه السلام في هذه الحادثة، لم يكن موقفه تجاه الشاكي المظلوم يقول له كما قد يفعل بعض المتنطعين الجاهلين من الناس، يقول له: اسكت يا أخي هذه غيبة؛ لأن الرسول قال:«الغيبة ذِكْرُك أخاك بما يكره».
وهذا الورع البارد اليوم، متمثل في كثير من المعاملات المتعلقة ببعض الناس في صور شتى مختلفة، قد يأتي الرجل مثلاً إلى شخص صديق لزيد من الناس، الرجل