الشيخ: نعم الحديث هذا صحيح، أي: الأصل عدم التسعير؛ لأن الله هو المُسَعِّر كما جاء في الحديث الصحيح في تمامه.
ومعنى هذا: أن تكون حرية البيع والشراء قائمة على ساق وقدم، ولا يجوز للحاكم المسلم حقاً أن يتدخل في السوق العام؛ ذلك لأن المجتمع الإسلامي يُقاد بنظام فيه .. ويُرَبَّى فيه وسيلتان اثنتان، إحداهما: تربية نابعة من قلب المؤمن فهو يتقي الله عز وجل ولا يخالف أحكام دينه، والتربية ناشئة من الحاكم المسلم الذي المفروض فيه أنه يتحسس أحوال المسلمين، أو يتعرف على أحوالهم، ثم إذا وجد فيهم انحرافاً قَوَّمهم تارةً بلسانه وتارة بصوته وتارةً أخرى بسوطه، حسب الواقع الذي هو يطلع عليه أولاً، ثم يرى أن المصلحة الشرعية تقتضي نوعاً من تلك الوسيلة التي أشرت إليها آنفاً.
على هذا: البيع والشراء ينبغي أن يكون مطلقاً من الحاكم، ليس هناك قيد أو شرط؛ لأن ما جاء الله به على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - من قيود وشروط، هي كافية لتقويم المجتمع الإسلامي أن يمشي سوياً على صراط مستقيم.
لا بد أن بعض هؤلاء الأفراد الذين يعيشون تحت حكم هذا الحاكم المسلم .. المسلم حقاً قد يشذون ويخرجون عن الجَادَّة وعن الصراط المستقيم ولو في بعض الأحكام، هنا يتدخل الحاكم المسلم، ويَصْدُق فيه الأثر المروي عن عثمان بن عفان والله أعلم بصحته؛ لأننا نعتبره حكمة:«إن الله عز وجل يَزِعّ - أي: يمنع - ويُرَبِّي بالسلطان، ما لا يزع بالقرآن» لأن القرآن إنما يُربي الناس المؤمنين فعلاً وحقاً، أما الذين في قلوبهم مرض أو زغل أو ضعف أو ما شابه ذلك، فهذا إنما يتولى تربيتهم السلطان.
هذا التسعير إنما منع منه شرعاً؛ هو لأجل أن الناس ينطلقون كما قلنا بوازع من قبلهم، مثلاً: قال عليه الصلاة والسلام: «لا يبع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق بعضهم من بعض» أي: البيع .. التسعير على حسب ما يرى صاحب البضاعة.