فأقول: قيام بعض الأفراد من المسلمين بهذا العمل فهو عمل جليل، يسقطون به واجباً عن الدولة، وجمع التبرعات لهذا الصدد هو من باب قوله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة: ٢].
لكن الحقيقة التي ينبغي الدندنة حولها، ولفت نظر أفراد المسلمين إليها وبخاصة منهم: هؤلاء الذين سَيُرَتَّب لهم هذه الرواتب، أن يجعلوا عملهم خالصاً لله؛ حتى نخلص من مشكلة أخذ الأجر، لإنه لكثرة ما يتردد مثل ذاك السؤال: هل يجوز أخذ الأجر على تعليم القرآن وعلى إمامة الناس التأذين ونحو ذلك؟ أشعر شعوراً قوياً جداً، بأن الناس لا يُفَرِّقون بين ما يسمى أجراً، وبين ما يسمى راتباً أو تعويضاً.
وهذا التفريق أمر جوهري جداً؛ لأنه تختلف النتائج اختلافاً جذرياً بين أن يأخذ أجراً على عبادة، وبين أن يأخذ تعويضاً أو مكافأة أو نحو ذلك.
وقد يتوهم بعض الناس بأن المسألة شكلية، ما هو الفرق سميته أجر وإلا سميته مكافأة أو جعالة أو تعويضاً أو راتباً أو نحو ذلك، لا، الفرق كبير وكبير جداً، كالفرق بين من يخرج مجاهداً في سبيل الله يبتغي الشهادة في سبيل الله، وبين آخر يخرج للجهاد، ولكنه يصنع للكسب المادي.
ولذلك جاء الحديث المشهور الصحيح الذي افتتح الإمام البخاري الصحيح به:«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه».
يذكر شُرَّاح الحديث، أن سبب هذا الحديث أن رجلاً خرج مع الرسول عليه السلام للجهاد في سبيل الله في الظاهر، ولكن نيته كانت لعله يحظى بامرأة في تلك البلاد التي كانت الهِمَّة متوجهة لغزوها، وهي تعرف بأُمِّ قيس، فهو خرج للجهاد لعله يحظى بهذه المرأة، وصار ذلك معروفاً عند علماء الحديث بحديث مهاجر أم