للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا كان الأمر كذلك، حينئذٍ لم يبق مجال للقول بأن معنى الحديث: «من سَنّ في الإسلام سنة حسنة» بدعة حسنة، فنقول: هذه بدعة لكنها حسنة! ما يدريك أنها حسنة؟ إن جئت بالدليل الشرعي فعلى الرأس والعين، والتحسين ليس منك وإنما من الشرع، كذلك إن جئت بالدليل الشرعي على سوء تلك البدعة، فالشرع هو الذي حكم بأنها سيئة، وليس هو الرأي.

فهذا الحديث إذاً من نفس كلمة «حسنة» و «سيئة» نأخذ أنه لا يجوز تفسير الحديث بالبدعة الحسنة والبدعة السيئة التي مرجعها الرأي والعقل، ثم يندعم هذا الفهم الصحيح لهذا المتن الصحيح، بالعودة إلى سبب ورود الحديث -وهنا الشاهد- الحديث جاء في «صحيح مسلم» و «مسند الإمام أحمد» وغيرهما من دواوين السنة من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه قال: «كنا جلوساً عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجاءه أعراب مجتابي النِّمار مُتَقَلِّدي السيوف عامتهم من مُضَر، بل كلهم من مضر، فلما رآهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تَمَعَّر وجهه أي: تَغَيَّرت ملامح وجهه عليه الصلاة والسلام حزناً وأسفاً على فقرهم الذي دل عليه ظاهر أمرهم، فخطب في الصحابة وذكر قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون: ١٠]، ثم قال عليه الصلاة والسلام: تصدق رجل بدرهمه بديناره بصاع بُرّه بصاع شعيره»، تصدق هو فعل ماضي، لكن هذا من بلاغة اللغة العربية أي: ليتصدق، فأقام الفعل الماض مقام الفعل الأمر أي: إشارة إلى أنه ينبغي أن يقع ويصبح ماضياً، ليتصدق أحدكم بدرهمه بديناره بصاع بره بصاع شعيره، «وبعد أن انتهى عليه الصلاة والسلام من خطبته، قام رجل ليعود وقد حمل بطرف ثوبه ما تيسر له من الصدقة من طعام أو دارهم أو دنانير وضعها بين يدي الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فلما رأى أصحابُه الآخرون ماذا فعل صاحبهم، قام كل منهم ليعودوا بما تيسر لهم من الصدقة، قال جرير: فاجتمع أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصدقة كأمثال الجبال، قال: فلما رأى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تَنَوَّر وجهه كأنه مذهبة»، قالوا في تفسير هذا التشبيه: «كأنه مذهبة» أي: كالفضة المطلية بالذهب، في

أول الأمر لما رآهم عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>