للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلاة والسلام قال: تَمَعَّر وجهه أسفاً وحزناً، لكن لما استجاب أصحابه لموعظته له .. «فلما استجابوا له عليه الصلاة والسلام تنور وجهه كأنه مذهبة، وقال: من سن في الإسلام سنة حسنة» .. إلى آخر الحديث.

الآن نقول: لا يصح بوجه من الوجوه أن يُفَسّر الحديث بالتفسير الأول: من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة؛ لأننا سنقول: أين البدعة التي وقعت في هذه الحادثة، وقال عليه الصلاة والسلام بمناسبتها: من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة؟ لا نرى هناك شيئًا من هذا القبيل إطلاقاً، بل نجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطبهم آمراً لهم بالصدقة مذكراً لهم بآية في القرآن الكريم كانت نزلت عليه مسبقاً وهي: {أَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [المنافقون: ١٠] وأكد ذلك ببعض حديثه: «تصدق رجل بدرهمه بديناره بصاع بره بصاع شعيره».

إذاً: ليس هناك إلا الصدقة، والصدقة عبادة، تارة تكون فريضة وتارة تكون نافلة.

فإذًا: لا يجوز أن نقول: معنى الحديث من ابتدع؛ لأنه لم يقع هنا بدعة، ولكن لو رجعنا إلى لفظة: سَنَّ في اللغة العربية للمسنا منها شيئاً جديداً في هذه الحادثة، لكن ليست هي البدعة، الشيء الجديد هو قيام هذا الرجل أول كل شيء، وانطلاقه إلى داره ليعود بما تيسر له من صدقة، فأصحابه الآخرون فعلوا مثل فعله فسن لهم حسنة، لكن هو ما سن بدعة، سن لهم صدقة، والصدقة كانت مأمور بها من قبل كما ذكرت آنفاً، قد أكون أطلت قليلاً أو كثيراً، ولكن أرى أن هذا البيان لابد منه لكل طالب علم؛ ليفهم النصوص الشرعية فهماً صحيحاً؛ حتى لا يضرب بعضها ببعض، فقوله عليه الصلاة والسلام الذي أخذ بظاهره بعض العلماء، فأباحوا أخذ الأجر على القرآن مطلقاً، لا يصح فهمه على هذا الإطلاق، بل ينبغي أن نربطه بالسبب وهو الرُّقية، فلا يكون حينذاك أخذ الأجر المنصوص في الحديث لمجرد تلاوة قرآن أو تعليمه، بل للرقية بالقرآن الكريم.

<<  <  ج: ص:  >  >>