للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويؤكد هذا أخيراً ولعلي أكتفي بهذا الذي سأذكره: أن رجلاً علَّم صاحباً له في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن فأهدى إليه قوساً، ولكنهم عوداً إلى حديث أبي سعيد، لماذا توقف أبو سعيد من الاستفادة من الأجر الذي أخذه من أمير القبيلة، وهذا الرجل الثاني لما أهديت له القوس توقف؟ حتى سأل الرسول عليه السلام لماذا توقف هذا وذاك؟ لأنهم كانوا فقهاء حقاً، وكانوا يفهمون مثل الآية السابقة: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: ٥] فأبو سعيد قرأ القرآن ورأوا أنها مقرونة بالرقية، وهذا الآخر عَلَّم صاحبه القرآن، فخشي أن يكون ذلك منافياً الإخلاص في عبادة الله عز وجل، فكان من ذلك أن أبا سعيد تَوَرَّع عن الانتفاع بالأجر الذي أخذه مقابل الرقية حتى قال له عليه السلام ما سمعتم، أما هذا الرجل الثاني الذي عَلَّم صاحبه القرآن لما جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكر له بأنه علمه فأهدى إليه قوساً، قال: «إن أخذتها طُوِّقت بها ناراً يوم القيامة».

فإذاً: تعليم القرآن إذاً بهذا الحديث والحديث الآخر: «يتعجلونه ولا يتأجلونه» لا يجوز إطلاقاً.

إلى هنا أكتفي لما سبق من بيان، أن القرآن تعليماً وقراءة لا يجوز أخذ الأجر عليه ككل العبادات.

ولكن هنا ملاحظة لابد من ذكرها ولو بإيجاز: الأجر كما تعلمون حق مقابل عمل يقوم به الإنسان، هذا النوع من الأخذ المسمى لغة وشرعاً أجراً، هو الذي يَحْرُم شرعاً، ولكن إذا كان هناك نوع من المال يُعطى لمن يقوم ببعض، لنقول الآن بالعرف الحاضر الوظائف الدينية من قِبَل الدولة أو من قِبَل بعض الأثرياء والأغنياء وما أقلهم في هذا الزمان الذين يشعرون بأن عليهم أن يمدوا يد العون والمساعدة لبعض الفقراء، بل والأقوياء الذين تفرغوا لخدمة الإسلام بعمل ما، خدمةً للإسلام، فتعطي لهم الدولة، لا يجوز أولاً: للدولة أن تُسَمِّي هذا أجراً، ولا يجوز للآخذين لهذا الشيء أن يأخذوه أجراً، وإنما يأخذوه بمعنى آخر هو مثلاً الهبة أو الجعالة أو العطاء، كما كانوا في السلف الأول حينما كان الإسلام قوياً، وكان

<<  <  ج: ص:  >  >>