خاطب الجالسين بهذا الخطاب، لدفع شبهة قد ترد، وقد وردت فعلاً وقيلت في بعض الكتب: إن هذا كان لعلةٍ، ما هي هذه العلة؟ قيل، وقيل، مرجعها إلى أن هذا الأمر الذي وُجِّه إلى سُلَيك الغطفاني، هو أمر خاص به.
فأبطل -عليه الصلاة والسلام- هذه الشبهة سَلَفاً؛ بتوجيهه الأمر للأمة كلها جميعها:«إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والخطيب يخطب فليصل ركعتين، وليتجوز فيهما»، أي: ليخففهما، ليخفف القراءة فيهما، وليس تخفيف الأركان التي لا تصح الصلاة إلا بها، هنا أمر آخر غير ذلك الأمر الآخر الذي سبق ذكره في حديث أبي قتادة مما يدل على اهتمام الشارع الحكيم بهذه التحية.
أول ذلك أننا وجدنا النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع خطبته التي كان ماشياً فيها، حينما رأى مسلماً يجلس في المسجد قبل أن يصلي التحية.
لكنه -عليه الصلاة والسلام- من احتياطه ورأفته بأمته لم يأمره فوراً بأن يقوم؛ لاحتمال أن يكون قد صلى، فاستفهم منه:«أصليت» قال: لا، فأمره وقال له:«قُم فصلِّ ركعتين» هذا قطعه -عليه السلام- للخطبة اهتمام آخر، يدل على أهمية تحية المسجد.
الشيء الآخر: وهو لعله أهم من السابق، أننا نعلم جميعاً أنه لا يجوز لمن كان في المسجد يوم الجمعة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهما واجبان، بدليل قوله -عليه الصلاة والسلام-: «إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب: أنصت؛ فقد لغوت» قولك: أنصت، فيمن يتكلم، والكلام والخطيب يخطب حرام، قولك له: أنصت، أمرك إياه بهذا المعروف منكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بصريح هذا الحديث.
فإذاً: إذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قد سقط عمن كان في المسجد؛ ليتفرغ للإصغاء والاستماع للخطيب، فبماذا نُوَجِّه أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن دخل المسجد يوم الجمعة أن يصلي ركعتين؟ هل يُمْكِن توجيه هذا الأمر، بأنه أمر بأمر