للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإسلام من كماله وتمام نعمة الله على المتمسكين به أنه لا يهتم بالشكليات وإنما يهتم بالمقاصد والآثار، ولعلكم جميعًا تذكرون معي قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله المحلل والمحلل له» لماذا؟ لأنه استغل ظواهر الشريعة التي تبيح النكاح، وهو لا يقصد النكاح، فقال: «لعن الله المحلل والمحلل له» مع أن بعض العلماء أباحوا نكاح التحليل رغم هذا اللعن الشديد على المحلل والمحلل له، لماذا؟ لأنهم نظروا للشكل فولي المرأة موافق والشهود شهدوا، وكل من المحلل والزوجة المطلقة بالثلاثة هي أيضًا وافقت، ولكنهم جميعًا يعلمون أن المقصود من هذا النكاح ليس هو النكاح الذي أشار الله عز وجل إليه بقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: ٢١].

فالرسول - صلى الله عليه وسلم - حينما لعن المحلل والمحلل له لم ينظر إلى الشكل، وإنما نظر إلى القصد، ما هو القصد؟ تحليل المطلقة ثلاثًا لزوجها الأول، ففيه احتيال على حكم الله عز وجل الذي قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] كما نكحت الزوج الأول، يعني: ليسكن إليها، لكن لما كان هذا النكاح لأجل تحليل ما حرم الله عز وجل أبطله الرسول عليه الصلاة والسلام إبطالًا باتًا ولعن المتعاونين على ذلك فقال: «لعن الله المحلل والمحلل له».

وسمى في بعض الأحاديث الطريفة المحلل: بالتيس المستعار، تيس مستعار؛ لأنه ليس زوجًا، فنحن من هذا الحديث ... نعلم أن الاحتيال على أحكام الله عز وجل محرم؛ لأنه من شيم اليهود ومن أعمال اليهود، وقد نهى عليه الصلاة والسلام عن الاستنان بهم نهيًا عامًا فقال عليه السلام في حديث البخاري: «لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذارع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه».

فهذه الصورة التي أنت سألت عنها لا تشكل على إنسان أبدًا أن المقصود بها: استحلال ما حرم الله عز وجل من الربا؛ لأن كل إنسان يعلم أن هذا الذي هو بحاجة إلى سيارة ثمنها نقدًا بثلاثين ألف، لو جاء إلى غني وقال له: أقرضني ثلاثين

<<  <  ج: ص:  >  >>