أن يفيد مشروعاً لا تعود فائدته إلى شخص بعينه، لا بد من أحد أمرين: إما أن يفيد بهذا الربا شخصاً بذاته، وإما أن يصرفه فيما يسمى بلغة الفصحاء بالمرافق العامة.
المرافق العامة معروف لدى أهل العلم، أنها تعني: كُلَّ مشروع يعود فائدته إلى مجموعة المسلمين، وليس إلى فرد من أفرادهم، مثل مثلاً: جلب ماء كسبيل في مكان ليس فيه ماء، أو تعبيد طريق، أو بناء جسر على نهر أو ما شابه ذلك.
لولا أن الأمر الأول وهو ترك الربا لأهل البنك؛ كان قوة لهم لكان الأولى أن يأخذ رأس ماله كما قال الله عز وجل، .
ولكن هناك قاعدة فقهية يجب على كل طالب علم أن يكون دائماً عل ذكر منها، ألا وهي: إذا وقع المسلم بين مفسدتين فلا بد له من إحداهما، فهو في هذه الحالة يختار المفسدة الصغرى على المفسدة الكبرى، من باب دفع الشر الأكبر بالشر الأصغر.
الشر الأكبر هنا أن يترك الربا لأهل الربا للبنك، الشر الأصغر أن يصرف هذا المال في المرافق العامة، حيث لا يستفيد منه شخص بعينه كما قال ذلك المشار إليه في السؤال.
بهذا يمكن الرد على إبطال قول ذلك المفتي، ويبقى معالجة هذا الربا بأحد الطريقين إما أن يُترك للبنك، وإما أن يُصرف في المرافق العامة، وهذا شرّه أقل من شر الأمر الأول.
أما أن يضع المسلم ماله في البنك، ثم يزعم أن هذا الربا في الوقت الذي يحرم عليه يفيد به غيره من المسلمين، فهذا نقض للآية السابقة ولما تفرع منها من أحاديث ذكرنا آنفاً بعضها {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة: ٢].
لأن هذا المراد به إذا أودع ماله في البنك وأخذ الربا وأطعمه لفقير، فإنما هو طعام خبيث، وقد سمعتم آنفاً قوله عليه السلام:«إن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً» إلى آخره، هذا جواب السؤال الأول.