وأما ما رواه الطحاوي من طريق سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن نافع بن جبير قال: كتب عمر إلى أبي موسى: «وصل العشاء أي الليل شئت ولا تغفلها» فمخالف لما سبق، وعلة هذه الرواية الانقطاع بين حبيب ونافع، فإن حبيبا وإن كان ثقة فقد كان كثير الإرسال والتدليس كما في «التقريب»، وأنت ترى أنه قد عنعن ولم يصرح بالتحديث فلا يحتج بروايته هذه لا سيما وقد خالفت ما رواه الثقات.
وهذا المذهب روي عن مالك القول به كما في «بداية المجتهد»«٧٥» وهو قول أبي سعيد الإصطخري قال: «إذا ذهب ثلث الليل أو نصفه فاتت الصلاة وتكون قضاء». ذكره في «المهذب».
وهو ظاهر قول الإمام الشافعي في باب استقبال القبلة:«إذا مضى ثلث الليل فلا أراها إلا فائتة» قال النووي في «شرح المهذب»«٣/ ٤٠»:
«فمن أصحابنا من وافق الإصطخري لظاهر هذا النص وتأوله الجمهور».
وقلت: ومن حجة الشافعي في قوله بالثلث حديث عائشة قالت:
أعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة بالعتمة فناداه عمر رضي الله عنه: نام النساء والصبيان. فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:«ما ينتظرها غيركم» ولم يكن يصلي يومئذ إلا بالمدينة ثم قال: «صلوها فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل».
أخرجه النسائي من طريق ابن حمير قال: ثنا ابن أبي عيلة عن الزهري عن عروة عنها.
وهذا سند جيد رجاله ثقات إلا ابن حمير واسمه محمد تكلم فيه بعضهم مع أنه من رجال البخاري، وقد أخرجه في «صحيحه» من طريق صالح بن كيسان: أخبرني ابن شهاب به نحوه إلا أنه قال بدل قوله: ثم قال: صلوها ... إلخ قال: وكانوا يصلون العشاء فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول.