للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جرير «٢٨/ ٢٩»، والبيهقي أيضاً، وأحمد «٦/ ٢٢٣»، والزيادة لابن جرير، وسندها جيد، وعزاها الحافظ «١/ ٢٤٩» لأبي عوانة في «صحيحه».

ولها شاهد من حديث أنس في قصة تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب المعروفة في «الصحيحين» وغيرهما، وسيأتي قريباً إن شاء الله تعالى هنا. ويرى القارئ الاختلاف بين الروايتين ظاهراً، ففي رواية هشام أن القصة وقعت بعد نزول آية الحجاب، وفي رواية الزهري أنها نزلت قبلها، قال الحافظ ابن كثير في «تفسيره» «٣/ ٥٠٥»: «والمشهور الأول».

وبالغ ابن العربي في «أحكام القرآن» «٣/ ١٥٧٤ - ١٥٧٥»، فصرح بضعف رواية الزهري وأما الحافظ فجمع بين الروايتين، بأن حمل رواية ابن شهاب على أن عمر أراد أولاً الأمر بستر وجوههن، فلما وقع الأمر بوفق ما أراد؛ أحب أن يحجب أشخاصهن مبالغة في التستر؛ فلم يجب لأجل الضرورة، يعني كما في رواية هشام؛ ثم قال: «وعلى هذا؛ فقد كان لهن في التستر عند قضاء الحاجات حالات: أولها: بالظلمة؛ لأنهن كن يخرجن بالليل دون النهار، كما قالت عائشة في حديث الزهري: «كن يخرجن بالليل»، وسيأتي في حديث عائشة في «قصة الإفك»: «فخرجت معي أم مسطح قِبل المناصع وهو مُتَبَرَّزُنا، وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل». ثم نزل الحجاب فتسترن بالثياب، لكن كانت أشخاصهن ربما تتميز، ولهذا قال عمر لسودة في المرة الثانية بعد نزول «الحجاب»: «أما والله ما تخفين علينا». ثم اتخذت الكُنُف في البيوت فتسترن بها كما في حديث عائشة في «قصة الإفك» أيضاً؛ فإن فيها: «وذلك قبل أن تتخذ الكُنُف»، وكان «قصة الإفك» بعد نزول آية الحجاب». قلت: وفي قول الحافظ عن عمر: «فلم يجب؛ لأجل الضرورة» رد على من يزعم قديماً وحديثاً أن أمهات المؤمنين كان يَحْرُمُ عليهن إبراز أشخاصهن، ولو كن منتقبات متلفعات، وعزا الحافظ هذا الزعم للقاضي عياض، وقال «٨/ ٥٣٠ - ٥٣١»: «ثم استدل بما في «الموطأ»: أن حفصة لما توفي عمر سترها النساء عن أن يرى شخصها، وأن زينب بنت جحش جعلت لها القبة فوق نعشها ليستر شخصها».

قال الحافظ: «وليس فيما ذكره دليل على ما ادعاه من فرض ذلك عليهن، وقد

<<  <  ج: ص:  >  >>