للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كن بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يحججن ويطفن، وكان الصحابة ومن بعدهم يسمعون منهن الحديث وهن مُتَسَتِّراتُ الأبدان لا الأشخاص، وقد تقدم في «الحج» قول ابن جريج لعطاء لما ذكر له طواف عائشة: أقبل الحجاب أو بعده؟ قال: قد أدركت ذلك بعد الحجاب». وقال في مكان آخر بعد أن ذكر الزعم المذكور باختصار «٩/ ٣٣٧»: «والحاصل في رد قوله؛ كثرة الأخبار الواردة أنهن كن يحججن ويطفن، ويخرجن إلى المساجد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعده».

قلت: ووجه قول الحافظ: «وليس فيما ذكره دليل. .. » إلخ: أنه مجرد فعل لا يدل على الفرضية المزعومة، وهذا إن صح ما عزاه القاضي لـ «الموطأ»؛ فإني لم أَرَ ذلك في «الموطأ» المعروف اليوم من رواية يحيى الليثي بعد مزيد البحث عنه؛ والله أعلم. ولعل من الأدلة التي تؤيد ما قاله الحافظ- رحمه الله-: حديث أنس- رضي الله عنه- في سبب نزول آية الحجاب الذي سبقت الإشارة إليه، وقد جاء من طرق عنه بألفاظ مختصراً ومطولاً، أذكر أحدها من «صحيح البخاري» «٤٧٩٢»، مع زيادات هامة من غيره تناسب المقام، فقال- رضي الله عنه-: أنا أعلم الناس بهذه الآية ـ آية الحجاب -: لما أهديت زينب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت معه في البيت، صنع طعاماً ودعا القوم، فقعدوا يتحدثون، [ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس، وزوجته مُوَلِّيَةٌ وجهها إلى الحائط]، [وكانت قد أُعطيت جمالاً]، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج ثم يرجع، وهم قعود يتحدثون، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} إلى قوله: {مِن وَرَاء حِجَابٍ}، فضُرب الحجاب، وقام القوم. وأخرجه مسلم «٤/ ١٥٠ - ١٥١» مطولاً، وكذا الترمذي «٣٢١٧» - وصححه -، والزيادة الأولى لهما، والزيادة الأخرى للطبري في «التفسير» «٢٢/ ٢٦»، وسندها صحيح. قلت: وفي هاتين الزيادتين حجة قوية على أن زينب- رضي الله عنها- كانت مكشوفة الوجه، وإلا لم يكن لذكر أنس تولية وجهها إلى الحائط، ووصفه إياها بأنها كانت جميلة فائدة تذكر. وأما قول مؤلف «تحرير المرأة في عصر الرسالة» «٣/ ٦٨»: «لو كانت سافرة الوجه لأمرها الرسول الكريم بستره، ولا حاجة لإلقاء الحجاب ومنع أنس من الدخول»! ! وجوابي على ذلك:

<<  <  ج: ص:  >  >>