للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولاً: قوله: «لأمرها بستره» مجرد دعوى لا دليل عليها؛ لأن ستر الوجه من نسائه - صلى الله عليه وسلم - قبل نزول آية الحجاب هذه لم يكن واجباً، حتى يأمرها بستره، وهذا بيّن لا يخفى إن شاء الله تعالى. ثانياً: قوله: «ولا حاجة لإلقاء الحجاب .. » فيه مغالطة ظاهرة، على رأيه الذي يدافع عنه بكل تكلف وحرارة، وهو حجب أشخاص زوجاته - صلى الله عليه وسلم - خلف ستر لا يرى الرجال أشخاصهن، ولا هن يَرَينَهم! عند التكلُّم معهن. وأما على ما رجحه الحافظ من أن المقصود حجب البدن لا الشخص؛ فالحاجة للحجاب قائمة أيضاً؛ لأنهن بحكم كونهن يتردد الرجال كثيراً عليهن لسؤالهن عن أمور دينهم، فلولا الحجاب لوجب عليهن أن يسترن وجوههن كلما سئلن لو دخلوا عليهن، وفي ذلك مشقة ظاهرة وحرج، فرفع ذلك عنهن بالحجاب إذا كن في بيوتهن، أما إذا خرجن من بيوتهن لحاجة ما؛ سترن وجوههن؛ كما في روايات عدة مذكورة في كتابي «جلباب المرأة المسلمة». هذا، وهناك في السنة أحاديث كثيرة تدل على أن النساء- ومنهن بعض زوجاته - صلى الله عليه وسلم - كن لا يسترن وجوههن قبل نزول آية الحجاب هذه، يتيسر لي الآن منها ثلاثة: الأول: قال أنس رضي الله عنه: لما انقضت عدة زينب؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزيد: «فاذكرها عليّ»، قال: فانطلق زيد حتى أتاها، وهي تخمِّر عجينها، قال: فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرها، فوليتها ظهري ونكصت على عقبي. .. الحديث نحو ما تقدم، وفيه نزول آية الحجاب. أخرجه مسلم «٤/ ١٤٨»، وأحمد «٣/ ١٩٥»، وأبو يعلى «٦/ ٧٧ - ٧٨».

الثاني: حديث عائشة، وقولها في «قصة الإفك» في صفوان بن المعطِّل السُّلَمي: « ... فرأى سواد إنسان نائم؛ فأتاني حين رآني، وكان قد رآني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمَّرت وجهي بجلبابي ... » الحديث بطوله، وهو متفق عليه. الثالث: عن عائشة أيضاً قالت: كنت آكل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حَيْساً في قَعْبٍ، فمر عمر- رضي الله عنه- فدعاه، فأكل، فأصاب إصبعه إصبعي، فقال: حَسِّ، أوّه أوّه! لو أطاع فيكن ما رأتكن عين، فنزلت آية الحجاب. أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» «١٠٥٣»، والنسائي في «الكبرى/ التفسير» «٦/ ٤٣٥»،

<<  <  ج: ص:  >  >>