للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن نحن نقول: يجب أن نجمع النصوص الواردة في المسألة الواحدة، ونستلخص من مجموع هذه النصوص الحق، الذي تدل عليه هذه النصوص، فأولاً: أقوال الرسول يفسر بعضها بعضاً.

ثانياً: فِعل الرسول يفسر قوله، فحينما قال: «حفوا الشوارب» من الناحية العربية فعلاً يمكن أن يفهم يعني: استأصلوه احلقوه تماماً، كما نرى بعض مشايخ الصوفية لحية كاملة جليلة وشارب «جلط» من مرة ما في أي شيء لماذا؟ هكذا قال الرسول: «حفوا الشوارب» لكن لما رجعنا لحديثه الآخر وهنا الشاهد: «من لم يأخذ من شاربه، فليس منا» من لم يأخذ من شاربه ما قال: من لم يأخذ شاربه، مثلما يعملوا هؤلاء الصوفية وأمثالهم.

قال: «من لم يأخذ من شاربه» أي: من لم يأخذ بعض شاربه فليس منا.

إذاً: ليس من السنة القولية، أن يستأصل الإنسان شأفة شاربه من أوله إلى آخره؛ لأن السنة تفسر بعضها بعضاً، ثم تأتي السنة العملية، وفعل كبار الصحابة كما يقولون اليوم، هي تضع النقاط على الحروف، ففي «سنن أبي داود» و «مسند الإمام أحمد» وغيرهما من كتب السنة بالسند الصحيح، أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد وفّر شاربه أي: طال، فأمر عليه السلام بأن يُؤتى له في السواك وبقراب، فوضع السواك تحت ما طال من الشارب، ووضع الموس المقراب فوق الشارب الذي انحصر بين السواك وبين الموس.

إذاً: المقصود بالإحفاء هو: ما طال على الشفة، وليس المقصود هو الاستئصال بالكلية.

فعلى هذا نفهم لماذا كان عمر بن الخطاب يُوَفّر شاربه، ويطيل سبالته حتى كان إذا غضب نفخ وفَتَل شاربه.

إذاً: لو كان هو صوفي المشرَب في هذه القضية، لاستراح من الشعر كلها بأن أزاحها من أصلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>